قال الشاعر مواسيا نفسه:
ها أنت في لحظة فاصلة..تضعك حقا في مفترق طرق: إما أن تختار بفخر حريتك، وتعض عليها بالنواجذ، كما فعلت دوما، أو توقع صاغرا على صك عبوديتك، وحتما سيسلبك ذلك تدريجيا إنسانيتك، حتى تتجرد منها بشكل نهائي. لحظتها، كن على يقين أن الحياة ستفقد ما تبقى من معناها بالنسبة لك، لأنها ستصبح والعدم سواء بسواء، ولن يفيدك في شيء أن تجمع كومة إضافية من الشهور والسنوات مثل حطاب الليل حذو النعل بالنعل، وتحملها على كاهلها المثقل أصلا بصخرة الزمان.
أنت تعلم جيدا، وبيقين راسخ، بأن ليس لك سوى حياة واحدة، رغم فرادتها ومحدوديتها ولا معقوليتها بل عبثيتها، فهي بحق والغة في جماليتها، ما يجعلك تفتتن بها حتى الثمالة، لدرجة أنك لا ترضى عنها بديلا، فإياك ثم إياك أن تضيعها في إحصاء الثواني والدقائق والأيام، هناك حتما ما هو أكثر نبلا ونفعا في هذه الحياة، يمكن أن تنشغل به وتكرس نفسك له، ذلك العمل الذي يمكن أن يظل خالدا برمزيته وتأثيره، ليس بالضرورة للآخرين، لكن لك شخصيا، فما يهم في نهاية المطاف، أن نشعر بجدوى ما نقوم به، وليس بالضرورة أن يشاركنا الآخرون في نفس الإحساس، فالفردانية في هذا الأمر فرض عين.
من المهم جدا أن تشعر أنت نفسك بالرضى وأنت تعيشه بكل تفاصيله.. أما الأيام والشهور فهناك كثير ممن سيتكفلون بإحصائها، والانشغال بتعبئة فراغاتها الوهمية التي لا تنتهي. وبالتأكيد فهي لن تمتلئ مهما بذلنا من مجهود في سبيل تحقيق ذلك. لن تملأها سوى أجسادنا حين تلقى المصير المحتوم.
أنت تحديدا لم توجد لهذه المهمة البتة، وأبدا لن تكون لها. لا تخادع نفسك، لقد وجدت من أجل أن تصنع للمعنى ظلالا زئبقية، تلك التي تشكلها الأذهان حسب أهوائها، وحين تستنفد قدرتها على التشكل، تعيد أنت نفسك عجنها من جديد من أجل أن تنفخ فيها روحا جديدة، تفعل ذلك كي تمنحها القدرة على التشكل من جديد وفق اللحظات المفصلية والمواقف المؤثرة، التي يجد المرء نفسه أحيانا متورطا فيها، يصارع الموج في خضمها المضطرب، محاولا الانعتاق من وضعه البائس، الذي يحاصره من كل جانب. فدع عنك ترددك وانض عنك ثوب التأرجح، كن أنت وارتد جبة تليق بك، ولن تكون سوى جبة الإبداع والحياة الحقيقية التي تليق بك، بعيدا عن القشور وتوافه الأمور.
مجلة فن السرد | زوايا


إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا