التهمة | بلال الخوخي

الكاتب: بلال.ختاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

مجلة فن السرد


لو أنني كنت منتبها قليلا لما يجري في الطريق لكنت تحاشيته، إنه حتى لم يبال باعتذاري؛ بل زاد في اعتراض طريقي مادّا الصحن إلى وجهي. اضطررت _لما بداخلي من بقايا خجل إنساني_ أن آخذ قطعة صغيرة وأقضمها. تابعَ العملية بعيني تلميذ ينتظر صدور نتائج الامتحان.

  • _ ما رأيك؟

"رأيي؟ يريد رأيي، ياإلهي!". تظاهرت بالانغماس في المضغ والتذوق ثم أجبته:

  • _ لذيذة، هناك توازن بين نكهات التوابل.

ابتسم:

  • _ حين تفكر في أكل الشاورما تذَكّرنا، أحضر أحبابك وتعال.

  • _ نعم، أكيد سأفعل.

قلتها مغتبطا؛ فها أنذا أعود إلى طريقي، الطريق الموازية للتي يغمرها السعار البشري من حولي، الطريق المتولدة من انصهار الروح والذاكرة جاعلة من رأسي قدر ماء يغلي، مثلما يحدث في "حومة الشوك" حيث أمشي مخترقا الحشود المنضوحة بعرق البراءة والدناءة. الإنسان لعبة المتناقضات، ازداد تأكدي من هذه الفكرة صباحا، حين دعاني المدير إلى مكتبه؛ وقف لاستقبالي، صافحني، ابتسم، وظل مبتسما طوال فترة كلامه إلى أن أظهرتُ رفضي بألبق أسلوب استطعته: 

  • _ أعتذر سيدي، لن أستطيع تمرير وثائق العملية المطلوبة، لابد من احترام الضوابط القانونية.

عبس وتولى منهيا اللقاء؛ وجهان في واحد، براءة ودناءة، صرت أراهما في كل الوجوه العابرة، صغيرها وكبيرها، ثنائية أفعوانية، تتجلى على الأجساد لا كأقنعة تخفي الحقيقة؛ بل هي حقائق متناقضة تسكن كل فرد.

جاءني المدير بعدها _بساعة تقريبا_ رفقة رجل مهندم بربطة عنق وتسبقه رائحة عطر فواح.

  • _ أرجو أن تسمع له.

نظرت إلى الرجل فقال:

  • _ سيدي الكريم، أقدر حقا حرصك الشديد على تطبيق القانون، لكن، أرجو أن تستحضر الجانب الإنساني وتدمجه مع الجانب التقني.

تقدم نحوي وأراني على هاتفه صورا لامرأة على فراش المرض تتفرع منها الأسلاك والأنابيب.

  • _ هذه أمي كما ترى، كيف تظنها ستحضر كي توقع على الورقة أمامك؟ لقد وقّعتها في المستشفى وهاهو سي محمود يشهد بذلك فقد كان حاضرا، لا ينقصنا إلا مصادقتك المؤشرة.

وافقه المدير مستدركا:

  • _ نعم، لقد حضرت التوقيع بنفسي، كما تعلم، علينا أخذ مثل هذه الحالات الإنسانية بعين الاعتبار.

وكأنهما اتفقا على رضخ الكلمة في وجهي مرارا؛ مع كل جملة ينطقانها "إنسانية"، مع كل إيماءة رأس أو طرفة عين "إنسانية". بدوتُ الشرير في الموقف، الخبيث، اللاإنساني. عندما وضعت تأشيري وتوقيعي على الورقة، تلونت براءتهما ببسمة دناءة تسللت مع جملة الرجل:

  • _ لن ننسى فضل خدمتك هذه، وسينالك من خيرها بالتأكيد.

وجدتُني واقفا أمام باب منزلي، أدير المفتاح وشظايا أسئلة تخترقني:

"ماذا لو كان ينوي النصب على إخوته؟ وما دخل المدير بالأمر؟ إنهما يتخاطبان دون ألقاب. هل… ياتراها ليست أمه؟…"

دخلتُ وألمٌ يرتج بين جنبي رأسي مثل تنطيطات كرة سلة. استقبلتني زوجتي وهمت بتقديم الغذاء، أخبرتها أن لا شهية لي؛ جزِعت لرؤيتي أضغط على رأسي فتقدّمَتْ سائلة:

  • _ ما بك عزيز؟

لكن أنفها صدّ اهتمامها بإمكانية مرضي وسدّ على جوابي بوابة النطق؛ إذ توقفتْ، وسحبتْ أنفاسا متقطعة من الهواء حولي، ثم قالت:

  • _ طبعا لن تكون لك شهية، فهي تعمل مع الشوارما فقط.

  • مجلة فن السرد | محاكاة

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث