المحفظة الصفراء | عزيز القاديلي

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

المحفظة الصفراء

 

كان منشغلا برفع أصبعه مصرا على أخذ الكلمة، قصد المشاركة بكل حماس في الإجابة عن أسئلة الأستاذ، وكنت أنا، الذي أشاركه نفس الطاولة، أنظر إلى محفظته الصغيرة الصفراء متسائلا في صمت: كيف يمكنني حملها في محفظتي الكبيرة؟

 دق الجرس وانتهت الحصة، و مازال صديقي متحمسا للإجابة والمشاركة، امتدت يدي إلى المحفظة الصفراء، جررتها نحوي بهدوء، حملتها ثم وضعتها في محفظتي مثل لص محترف. كنت مبتهجا، وخائفا أن ينكشف أمري. سحبت نفسي باتجاه باب القسم، وخرجت كمن حصل على غنيمة. عبرت ساحة المدرسة الكبيرة، وأنا أنصت إن كانت هناك حركة ما ورائي، شخص ما يتبعني. وما إن تجاوزت الباب الخارجي للمدرسة، حتى أخذت أركض باتجاه الحي الذي يجمعنا أنا وصديقي. أجري وإحساس غريب يسري في دمائي الحارة.

فجأة سمعت صوت صديقي يأتيني من بعيد صارخا بكل ما أوتي من جهد، يسألني إن كنت قد رأيت محفظته؟ وحينما استدرت نحوه رافعا يدي دلالة النفي، سقط المسكين أرضا كما لو أنه فقد الوعي. ثم بنفس الحدة والجهد قام عائدا إلى المدرسة بحثا عن محفظته.

تابعت طريقي وأنا أفكر في ماذا سأفعل بمحفظة صديقي، هل أتركها عندي وأسلمها له بعد الزوال أم أسلمها لعائلته؟ لكن ماذا سأقول لهم؟

حينما وجدتني أمام منزل صديقي، طرقت الباب في هدوء، سلمت المحفظة لأخته الكبيرة وهي تستغرب الأمر وتسألني عن أخيها. أخبرتها أنه كلفني بحملها وهو قادم الآن.

بعد الزوال، مررت على منزل صديقي كي نعود سويا إلى المدرسة، فخرج إلي بوجه غاضب محاولا العراك معي بعد أن شعر أنني خدعته. كنت لحظتها أضحك بشكل هستيري، لأنني نجحت في تدبير هذا المقلب. لكن المفاجأة التي باغتني بها، وحوّل ضحكي الهستيري إلى فزع ورعب؛ هو حينما أخبرني أنه قدم شكاية بالأمر إلى الحارس العام للمدرسة، وقد وعده هذا الأخير بمعاقبة السارق عقابا عسيرا. أحسست لحظتها برعب حقيقي، فبدأت أتوسل إليه أن يسامحني، وأن ما فعلته ليس سرقة بل أردت فقط أن أمزح معه. 

 زالت علامات الغضب عن وجه صديقي وبدا مسرورا وهو يراني أرتعش رعبا وخوفا من العقاب الذي ينتظرني. كنا نسير نحو المدرسة وطبول الفزع أسمع دقاتها في كل خفقة من خفقات القلب، في كل رجة من رجاته. كنت أعرف مسبقا قسوة ذلك الرجل، ثم إنه لن يسامحني على تصرفي هذا، حتى ولو لم أكن سارقا حقيقيا. المهم من كل هذا، هو أن صديقي كان مبتهجا ويمشي منتشيا مثل طاووس.

حينما وصلنا إلى المدرسة، ونحن نتجاوز الباب الحديدي الكبير إلى الساحة الواسعة، جاءنا صوت الحارس العام من بعيد سائلا صديقي إن كان قد عثر على محفظته؟ رأيت صديقي يرفع محفظته صائحا: نعم وجدتها. ودون أن يضيف شيئا، نظر صديقي باتجاهي، التقت نظرات التوسل بنظرات الابتهاج والانتصار، ثم أخذ يخطو نحو الباب وأنا وراءه في خنوع…

مجلة فن السرد | مشاتل


التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث