مامّا أفريكا ! | أُقْصُوصَتَان | أحمد شرقي

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
ماما أفريكا مجلة فن السرد أحمد شرقي

ماما أفريكا مجلة فن السرد أحمد شرقي

مامّا أفريكا !  | أُقْصُوصَتَان


1- المُنقِذَة

في تلك الأعوام، كانت السّلُطات المغربية، بتعاونٍ مع نظيرتها الإسبانية، قد ضيّقت الخناق على المهاجرين الأوروبيين المتدفّقين نحو إفريقيا، عبر بوابة سواحلِ المغرب.

كان فرانسوا مثل جميع شباب أوروبا، يحلُم بالفردوس الإفريقي. وبما أن المخاطرة في عبور الحدود البحرية كانت مستبعَدة في تلك الأيام، فإنه اختار الحل الشائع والأسهل، وهو البحث عن عجوز سمراء غنية، ثم استدراجها من خلال موقع للتعارف، وتمثيل دور العاشق الولهان، مستغلا خبرتَه في المعلوميات ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغبتَها هي في الحب. 

وذلك ما كان... بعد تنقيبٍ، لم يكن طويلا، تعرَّف إلى امرأة غابونية عجوز تُدعى NGANGA GLOIRE، كانت تنشرُ صورَها يوميا، مستعرضةً سياراتها الفارهة وقصورها الشاسعة، مسيلة لُعاب فرانسوا، الذي كاد يثقبُ شاشة هاتفه بنظراته المدقِّقَة، على حين كان يعجز عن إطالة النظر في ملامحها الــــــمُتَغَضِّنَة.

بعد أسبوعين من المحادثات الكتابية، طلَبَتْ منه زيارتها في بلدها للتعارف أكثر عن قرب، والزواج بعد ذلك، من دون أن تلحّ في أمر التواصل عبر الصوت أو الصورة ! 

 لبّى الطلب، دون تردد. لجأ إلى اقتراضات عديدة من عائلته وأقربائه، طلب تأشيرةً سياحية من قنصلية الغابون في باريس، منحوه إياها بعد انتظار دام شهرا، اشترى تذكرة ذهابٍ وإياب، وحجز فندقا في ليبروفيل كتمويه فقط؛ لأن إقامته ستكون دائمة وبلا عودة.

وصل إلى مطار ليبروفيل. سألوه عن سبب الزيارة؛ فتلعثم. طلبوا هُوية مستقبِله فأعطاهم اسم العجوز NGANGA GLOIRE بعد تردد، ليقرروا ترحيله إلى بلده، بعدما تبيّن لعناصر شرطة الحدود الغابونية، أنه لا وجود لذلك الإسم الذي أعطاهم، في الغابون كلها.

تفقّدوا حسابا من حساباتها، الذي كان يتواصل عبره فرانسوا المسكين، وأخذوا رقم هاتف العجوز الماكِرة، ليجدوا أنه رقم في ملكية فرنسيّ آخر، يُدعى "إيمانويل لوبُونْ"، مقيمٌ في الغابُون.

2- الــــــمَطْرُود

كان ربما تصفيد المهجَّرين، ومرافقتهم إلى بلدانهم؛ لتسليمهم إلى شرطة مطارات أوطانهم، روتينا يوميا بالنسبة إليهما.

 قال الأول: سئمْتُ هؤلاء الفقراء المهجّرين، وكأن ليس في بلدانهم ما يأكلونه! أجاب الثاني: يجب أن نضاعِف حذرنا من مرحَّل اليوم !.. أُنظر إلى بنيته القوية.. يبدو أنه أكل خيرات بلده كلها، ولم يترك للآخرين شيئا.

لم يكن المطرود الذي حصره الشرطيان بينهما في مقعد الطائرة بذلك القبح، بل -على العكس- كان مسالما وهادئا، يرمي من حين إلى آخر كلمات بالانجليزية قريبة من الشِّعْر، حاولْتُ أن أترجمها، كأن يقول:

يَا رَفِيقِي..

وَسِّعْ دَائِرَةَ الْأَصْفَادِ قَلِيلًا

أَوْ لِأَقُلْ..

حَرِّرْ يَدَيَّ،

وَدَعْنَا نَعُدُّ سَوِيّاً الْغَيْم.

لَا فِرَارَ مِنْ هُنَا!

أَحْمَقُ..

مَنْ يَرْتَمِي فِي أَحْضَانِ

 الْفَرَاغِ الْمُطْلَق.

استنتجْتُ، من خلال استهزاء عنصرَي الشرطة واستفزازهما له، أنه شاعر، وتأكدت عندما صرح لهما بأن له إصدارات في بلده...استغربت لسلوكهما الذي لم يكن هكذا في رحلاتي الكثيرة السابقة ! لقد كان تعامل الشرطيين الكاميرونيين خشنا مع المرحَّل البريطاني! وكنا جميعا على متن الرحلة المنطلِقة من مطار دوالا الدولي، في اتجاه مطار مانشستر.

+نصان مستلّان من المجموعة القصصية " خَفْقٌ إِلَى أَعْلَى وَإِلَى أَسْفَل"، 2024، دار ذاتك/مصر.

مجلة فن السرد | محاكاة



    

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث