النزعة الواقعية وأشكال التقاطع في رواية "إيكسX" لحسن إغلان | عبد النبي بزاز

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

مجلة فن السرد

مجلة فن السرد


تنضاف رواية " إكس " إلى ريبيرتوار الكاتب المغربي حسن إغلان السردي الغني كما وكيفا، اختار هذه المرة المكان بشكل مركزي ومحوري، والمتمثل في مدينة الخميسات موطن نشأته ودراسته من الابتدائي إلى حدود الثانوي بحصوله على الباكلوريا، بفضاءاتها المعروفة كمقبرة قبور النصارى، وسيدي غريب والتي تحمل الأحياء المحيطة بها نفس الاسم، وقصر الرجل الثري الذي فرض سلطته على المدينة بما يملكه من ثروة ضخمة، والذي وسمه الراوي في فصول الرواية بالقصير المكرش، وشارع الزرقطوني حيث كان يتواجد منزل السارد، وثانوية موسى بن نصير العريقة، والكنيسة الموجودة بالغابة، كما اختار شخوصا جمعته بهم قواسم مشتركة في الدراسة والنضال؛ كحسون وسعدون عبر تقاطع مطبوع بالمفارقة على مستوى الأمكنة مثل الرباط، وما تتميز به على الخميسات من مرافق ومعالم، والتي ذكر بعض أمكنتها من قبيل شارع البرلمان، وحي يعقوب المنصور فضلا عن أسماء مقاهي وحانات كان يرتادها السارد صحبة ثلة من رفاقه، بحيث كانت العاصمة الرباط امتدادا لمتابعة الدراسة بجامعتها، والتكوين في سلك التعليم كوظيفة لجأ إليها لضمان دخل مادي يقيه مغبة التخبط في أدران العوز والخصاص. 

 تشكلت إرهاصات مفارقة بين مدينة الخميسات " إيكس "، أو مدينة النحاس المختزلة في ارتفاع درجات الحرارة : 

" التفكير في مدينتي وفي حرارتها الصعبة هو التفكير في كينونة تلتهب بانعكاس شمسها ... " ص49، وضيق رقعتها، ومحدودية آفاقها : " مدينة "إكس " ... مقهى كبيرة يليق بأهلها قضاء عطلة في الإبحار بين النميمة والإخبار... " ص48 ، أمام اتساع رحاب الرباط بمرافقها المتعددة من معاهد، ومؤسسات، وفضاءات تتيح فتح جسر تواصل مع أشخاص في مجالات الفن والإبداع من فلسطينيين ولبنانيين ومصريين في تماثل مع نظرائهم من مغاربة وطبيعة ما يجمعهم من علاقات مع السارد مثل ريم وفؤاد منصور وصوفيا وخليل، ومقابل رفاقه من بني بلدته كحسون وسعدون والحسين والمجهد وكلها شخصيات تسهم في تأثيث فضاء الرواية، وتسيير دفة أحداثها إلى جانب شخصية الأب وما يجللها من مظاهر عقدية روحية عبر مصاحبته للسُّبْحة : " كان أبي جالسا يمرر أصداف سُبْحته بتؤدة وشفتاه تنسحب منهما كلمات الله بصمت " ص 18، مشهد تكرر مرارا كثابت غني بحمولاته العقدية : " يشبه دورة أبي في سبحته نحو انخطاف لحيته نحو سقف السماوات السبع . " ص 49، وهو ما يتقاطع ويتصادى مع رؤى مشبعة بروح دينية : " لقد أخرجت حواء آدم من الجنة أو من بعد ... " ص 52، و في اختراق الآذان للمسامع إعلانا عن موعد صلاة الفجر : " والمؤذن يعتلي حبائل صوته لإعلان صلاة الفجر ... " ص 137 ، واستيحاء ما ورد في النص القرآني : " ـ الماء بارد يحيي العظام وهي رميم . " ص139، من سورة " يس" : " قال من يحيي وهي رميم"، أو ما يعشش في ذهن الأم من معتقدات راسخة عن عالم غيبي يعج بالخوارق والمعجزات : " حاولت الاغتسال لكن أمي منعتني ، لأن الاغتسال بالليل في المرحاض تهييج للعفاريت والجن للخروج من خلالها . " ص 114.

روايةُ " إكس " الصادرة عن دار سيلكي أخوين، غنية بشخوصها وأحداثها، والتي لا يمكن الإمساك بخيوطها المتشابكة، واستقراء أبعادها الدلالية والرمزية في مثل هذه الورقة لما يتطلبه ذلك من حيز أرحب، لذلك سنقتصر على الجانب الواقعي من خلال عناصر مثل المكان الذي تدور فيه الأحداث متمثلة في الخميسات، والرباط ؛ فالخميسات التي توصف تارة ب " إكس " ، وطورا بمدينة النحاس حيث تتكرر صورة الأب بلحيته وسُبْحته ، في مشهد تحفه الهيبة والوقار ، وشخصية الأم التي حين تسأم من ملازمة البيت ، والقيام بأشغاله ، والانهماك في ذلك ترغب في السفر إلى البلاد لتغيير الأجواء ، دون التصريح بذلك للأب ، بل بافتعال مبررات لإقناعه بذلك : " تقول إن عظامها تتشقق وأن جمعها لا ينفع معه حكيم أو فقيه ، هي تلح دائما على أبي من أجل السماح لها بالسفر إلى البلاد . لغتها الأمازيغية تعيد إليها توازنها ، روائح الزعتر وأشياء أخرى تجمع عظامها ، لذا في كل مرة تعيد السؤال على أبي ... إلى حدود قبوله بالسفر ، يقبل أبي بامتعاض ... " ص 83، والذي يقبل ، أي الوالد ، على مضض . مع صور أشخاص من أبناء الخميسات مثل حسون وسعدون ، فالأول تجمعه بالسارد هموم الدراسة الجامعية بحكم اختيارهما لشعبة الفلسفة : " حسون يتحدث عن مشروع بحثه والمتعلق بدراسة سيكولوجية للشعوذة والسحر .. " ص 70، والثاني يتقاسم معه الخط النضالي فوالده عسكري اعتقل في انقلاب الصخيرات وزج به في سجن تازمامارت قبل أن يطلق سراحه . كما إن حسون كان مهتما بالسفر إلى هولاندا التي زارها وحكى للسارد عن ذلك : " ثم حكى علاقته مع فنانة هولاندية ، ستزوره في ربيع هذه السنة . " ص 124، مما أثر على نفس الكاتب الذي كانت لها نفس الرغبة في السفر إلى فرنسا لمتابعة دراسته إلا أنها اصطدمت بمنعه من الحصول على جواز السفر : " أجبرني المنع الثاني لجواز سفري ... " ص 24، مما أوقد بداخله جذوة السفر إلى أوروبا حيث ظروف عيش أفضل ، وآفاق حياة أرحب : " شدنا حسون من خيالنا ، وبدأ يرشه بألغام توقظ بواعثنا من جديد . حكى بزهو ومتعة فائقين ونحن ننصت باندهاش ... هو يحكي ولعابنا يتوالد رغبة في العيش داخل هذا الفردوس . " ص 124، لينضاف إلى رفاق المدينة " إكس " الحسين أبا حسن وهو مناضل تراجيدي ،كما وصفه السارد ، ينتمي لمدينة النحاس : " الحسي أبا حسن ، الذي أجلس معه مناضل تراجيدي في مدينة النحاس . اعتقل أكثر من مرة .. " ص 84، وكمال الذي يكتب بالفرنسية ، ويشتغل مدرسا بمدينة بعيدة عن مدينته : " دخل كمال بشكله السريالي الجديد ...كمال يكتب بالفرنسية ويشتغل بالتدريس في مدينة بعيدة عن مدينة النحاس .. " ص 85، لتتقاطع ثلة من رفاق الكاتب بمدنته " إكس " مع أصدقائه العرب من فلسطين ، ولبنان ، وليبيا الذين تعرف عليهم بالعاصمة الرباط ، وآخرين مغاربة انخرطوا معه في مجلة " التحقيق " ، وهو تقاطع ينبني على أسس ومرتكزات ثقافية ، وفكرية ، ونضالية قوامها هاجس مرحلي يتوق لاستشراف آفاق تروم التغيير والتجديد . مقابل نماذج من نمط فني منحط ورديء يكرس ميوعة في التلقي والذوق الفنيين في لونهما الشعبي كما يرمز لذلك الفنانة المنعوتة في الرواية ب " شوفي غيرو " ، والتي برز اسمها وانتشر في الساحة الغنائية كمغنية شعبية موازاة مع سيطرة ثري المدينة ( القصير المكرش ) كما ينعته الراوي : " هكذا، ظهرت حكاية القصير المكرش والمغنية الشعبية " شوفي غيرو" تطلي مدينة النحاس بطلاء جديد .. " ص160، والطرق الملتوية التي راكم بها ثرواته العريضة ، وما تنطوي عليه من مكائد وحيل : " استفاد من الظروف الصعبة في الستينيات ، جمع ثروة هائلة في تهجير اليهود إلى فلسطين المحتلة ... " ص 160 ، والفنانة الشعبية " شوفي غيرو " والتي يتذكر الكاتب ظروف سطوع نجمها لأنها عايش تلك الفترة عن قرب بحكم جوار منزل أسرتها لمنزلهم بشارع الزرقطوني. وإذا كان ثري المدينة يتقاطع بشكل مفارق مع أسماء لمناضلين وزعماء كفاح ورد ذكر أسمائهم في سياق أحداث الرواية مثل غيفارا ، وعرفات ، فإن " شوفي غيرو " تقابل فنانين ملتزمين من قبل فيروز ، والشيخ إمام ،أو طربيين كأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ ،عبد الهادي بلخياط أو فرق شعبية ملتزمة كناس الغيوان، لتنحو هذه المفارقة مناحي أخرى منها ما هو عقدي : " الآن يبدأ الشيطان في طرد الملائكة ... " ص136، وحسي : " انفجرت حتى اختلط البكاء بالغبطة ... " ص 136، وما هو زمني : " باحثا عن النهار في الليل ... " ص138، بشكل معكوس ومقلوب . وتذبذب بين الصدقية والخيانة : " بين الصدق والخيانة تتأرجح الكتابة ... "ص 142، ليغدو الالتزام بالمبادئ نادرا في حقل الكتابة . مفارقة تخترق الحكاية كشكل تعبيري يقوم على مكونات وابعاد جمالية ودلالية : " كل كتابة تحمل الصدق والكذب ، الشيء ونقيضه ... " ص 154، وما تطرحه من احتمالات تتأرجح بين الأضداد والنقائض .

ورغم أن الرواية تنحو منحى واقعيا يقوم على التقاطع فإنها تتضمن موضوعات مثل موضوع نجاح السارد وحصوله على شهادة تؤهله لمتابعة دراسته بأوروبا ؛ وفرنسا تحديدا : " ساعتها ، فكرت في باريس وتذكرت جواز سفري المعتقل..." ص21. وأمام صعوبة حصوله على جواز السفر غير وجهته ، مكرها ، صوب التوظيف بالمغرب ، ودفن رغبة متابعة الدراسة بفرنسا في قيعان ذاكرته : " أما أنا فممنوع من السفر ... " ص24، بالإضافة إلى مواضيع أخرى ووقائع نذكر منها انتفاضة البيضاء في 65 ، و81، وثورة الهوامش في 73 ، بتقاطع مع ما حدث مع صديقته رغبة ، وما صاحب ذلك من ريبة ألمت به حين إلحاحها على لقائه خوفا من أن تكون حاملا منه ، وهو ما تبدد بعد أن تزوجت ورزقت طفلا أسمته محمود علم فيما بعد بأنه ابنه كما أسرت بذلك مريم : " ـ سأقول لك سرا ، إن الولد الذي وضعته رغبة هو ولدك . " ص 173، وهو ما َولَّد لديه توترا أربك توقعاته : " أضافت لي مريم توترا زائدا وثقلا يتشظى في المجهول الذي أحمله ، أنا أب مجهول لابن معلوم . " ص 174، مريم التي انفصلت عن رفيق دربها محمد ، حيث تتوالى الأحداث والموضوعات ، وما ينجم عنها من تبعات وتداعيات ؛ كقصة " با عروب " وعلاقته بحماره الذي يقاسمه شرب النبيذ : " كما " باعروب " المتجول بحماره ، يسكر بالنبيذ ويعطي ما تبقي في سطل لحماره . " ص 140، ومدى حزنه على وفاة كلبه الذي دفنه في مقبرة الغريب ، ولم يتوان عن زيارته : " ـ رأيته وسمعت عن حزنه الشديد حين موت كلبه ، لقد دفنه ضدا على الجميع في مقبرة الغريب ليزوره بين حين وآخر." ص140، ومن المواضيع التي تضمنتها ثنايا الرواية موضوع الحلول الذي ورد في بأشكال متعددة كما في علاقة الكاتب برغبة والتي تطورت إلى حد الاندغام والانصهار : " كنا كجسد واحد متشابكي الأيدي والأعين ... " ص9 ، تكرر كثيرا : " واندفعنا نحو بعضنا البعض كجسد واحد ... " ص11، حيث التوحد والاتحاد في جسد واحد بكامل ما مشاعرهما ورغباتهما . وموضوع الفلسفة ، وما يربطه بالكاتب من أواصر متينة كان لها شديد الوقع والأثر حتى على محيطه وهو ما ورد على لسان صديقته رغبة : " لقد أصابتك الفلسفة بثراء حمقاها . " ص12، وفي ذكر مذاهبها اليونانية القديمة كفلسفة المشائين التي وصف فيها صديقه حسون بالمشاء : " لقد اقترب الموعد مع هذا المشائي ... "ص 28، وما تثيره في ذهنه من أسئلة : " في الطريق أسئلة تدور علي كما أسئلة الفلاسفة الذين يدورون في ساحة أثينا ... " ص 91. وتكر حرف الميم داخل متن الرواية في الكثير من الأحيان حاملا العديد من الرموز، والأبعاد ،والدلالات تصب في خانة المنع والحظر بدءا من منع حصوله على جواز السفر : " في وقتنا الأبواب أضحت موصدة ، ينفتح باب لينغلق بعد أسبوع ... " ص 30، حيت تمت إعادته كلازمة من أولى الفصول إلى آخرها : " وهي المفارقة التي يضعنا فيها حرف الميم حين تلاعبه لنسخر منه أو لوضعه قبالة أقواس العاصمة . " ص 144. وعبارة " دفنا الماضي " ، وما يعكسه تكرارها من رغبة ملحة في التخلص من ماض مثقل بالأعطاب والآفات والنكسات .

وتطرق السارد كذلك إلى الوضع الثقافي في العالم العربي ، وما يعج به من أعطاب وهنات خلال التقائه بمثقفين ليبيين : " أعطتني الجلسات مع بعض الكتاب المتميزين في ليبيا الفرصة لإعادة سؤال المثقف العربي الذي ما فتئ يظهر ويختفي أمام السلطة والمداهمات الليلية والرقابة وحبس النفوس وما إلى ذلك من أشكال تعودنا عليها في هذا الوطن المسند إلى وحدته القمعية ... " ص 145، إلى غيرها من المواضيع والأحداث التي تشابكت خيوطها ، وتقاطعت صورها ، ومشهدياتها لإنتاج عمل روائي ذي نزعة واقعية مبنية على تمظهرات ترسم معالم رؤية تروم تغيير واقع يرسف في أصفاد تعيق انفتاحه على آفاق الانعتاق و التحرر.

مجلة فن السرد | قراءات ودراسات


التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث