رِحْلَة | أحمد شرقي

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

مجلة فن السرد

مجلة فن السرد
رِحْلَة | أحمد شرقي 

 (التراجيديا ...مُحاكاةٌ لأحداثٍ تثيرُ الخوفَ والشّفَقَة)

أرسطو، فن الشعر، ص 116


الفتاةُ المغربية المقيمة في اليونان، التي تعمل في شركة للبناء، ورئيسة سابقة لجمعيةٍ تهتم بقضايا النساء، اقتنت تذْكِرة أول طائرة من أثينا إلى مراكش، لتشارك في المظاهرات التي اجتاحت الشارع المغربي، ولتدخلَ التاريخ كما دخله بعض أبناء جيلها هناك في الوطن.

كانت الطائرة تُحلّق فوق المتوسط، حين باغَتَ الظلامُ نوافذَها فجأة؛ لم يكن ظلامَ الليل المعتاد، بل سديما كثيفا كالحبر، انفتح أمامها، كما لو كان فما هائلا يبتلع الطائرة. دوّت اهتزازات عنيفة، وتعالت أنفاس مرعوبة، لكنْ سرعان ما غشي النعاس أعْيُن الرُّكابِ واحدا تلو الآخر، وكأن حُقَنا مخدّرة سُرّبت عبْر الهواء، وأخضعتهم لإغماءة جماعية.

 تهاوى جسدها هي أيضا، لكنها، قبل أن تستسلم كلّيا للإغماء، أبصرت من شُرفتها ومضات خاطفة؛ شوارعَ ممتلئة بالمحتجّين، وجدرانا تتبدل شعاراتها، وأعلاما للبلاد تُرفع، مُطالِبةَ بإسقاط الفساد… وكأن الزمن كلّه يُعْرَض أمامَها في شريط واحد.

حين فتحت عينيها، كانت الطائرة تهبط بسلام، بدا لها ما جرى حلما عابرا بفعل التعب وذلك الحادث المفاجئ الناتج عن عطل ما!

غير أن المشهد من النافذة لم يشبه مطار مراكش المنارة الذي تحفظه: قباب زجاجية عالية، أرضيات معدنية تلمع، عربات كهربائية بلا سائقين تتحرك في صمت... تسلَّل الرعبُ إلى قلبها؛ هل حطّت الطائرة اضطراريّا في مكان آخر؟

صُدمت ممّا تراه: أجهزة تفْحص الوجوه عن بعد، وشُرطيون قليلون ببذلات بلون لم تألفه، موظف بهيئة أنيقة ابتسم لها، ولبقية المسافرين، قائلا بنبرة أقرب إلى التَّرْحاب الرسمي:

"حمداً لله على سلامتكم، انتظرناكم طويلا"، ثم رافقهم إلى شُبّاك وحيد لختم الجوازات!

تقدمت بخطوات مثتاقلة، وحين مدّت جواز سفرها للشرطي، قلّب صفحاته بتمعّن، ثم رفع عينيه، ناظِرا إليها بابتسامة لطيفة:

"للأسف... جوازك منتهي الصلاحية" !

ارتجفت كلماتها..."كيف ذلك؟! لا ينتهي إلا في عام 2030… ونحن في 2025!"

نظر إليها نظرة مطوّلة، وقال بهدوء:

"رافِقِيني من فضلك سيدتي".

رافقَتْه متأفّفة من هذا الاستقبال الغريب بعد رحلة متعبة، دخل مكتبَ رئيسه، ثم قال:

"هذه واحدة منهم سيدي"...

وقبل أن تردّ عليه بغَضَب، لمَحَت لوحة إلكترونية معلقة على باب الرئيس، كُتِب عليها: 

 10H30 AM 

 02.10 .2050 .

كُتبت هذه الأقصوصة بتاريخ: 02.10.2025

مجلة فن السرد | محاكاة

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث