خلع القبعة التي يعتمرها. فتح السلسلة التي تمتدّ على جبينه، أخرج عقله ووضعه على رفّ الثلاّجة المخصّص للتّجميد. اعتاد أن يفعل ذلك، منذ ثلاث سنوات، في ساعة معيّنة، كي يستطيع النّوم.
سها مرّات عن الالتزام، وكانت النتيجة ُتحمّل الضجّة التي تُحدثها الأفكار، وهي تهوي بمطرقتها على صخور الذكريات. قد يخرج أحيانا على عجل، وينسى إعادة العقل إلى موضعه، فيُضطرّ إلى تعويضه بالقلب الذي ينتشي بهذه الحرّية المفاجئة، فيقضي نصف اليوم في ضخّ دماء السّعادة، لكنّه، يتذكّر أنّه سيعود إلى سجنه قريبا، فيمضي بقيّة السّاعات مكتئبا.
نهض الرجل صباحا، فتح باب الثلاّجة ليسترجع عقله، غير أنّه كاد يتقيّأ من الرائحة الكريهة المنبعثة منه، واشمأزّ من هيئته المترهّلة ولونه الذي تغيّر. يبدو أنّ أولئك الذين ما انفكّوا يهدّدونه بقطع الكهرباء، إذا لم يدفع الفواتير، نفّذوا وعيدهم.
لقد فسُد عقله! كيف سيتصرّف؟
هلّل القلب فرحا بما حصل، جازما أنّ سعده بُعث من رميمه، لملم خفقاته المبعثرة، وانتظر ليغادر السّجن إلى الأبد، ويرث مكان العقل. طال الانتظار، وما زال الرجل واجما عاجزا عن إيجاد حلّ لأزمته.
نفد صبر القلب، بدأ في الانتفاض والمطالبة صراحة باتّخاذه بديلا عن ذاك الذي قضى متعفّنا..
اِتّجه الرجل نحو شرفة منزله، في الطّابق الخامس، نظر إلى أسفل، حيث الشّارع يعجّ بالسيّارات، ظلّ يحدّق دون القدرة على تحديد وجهة التّفكير. اِلتفت إلى الزّهرة التي لم تتفتّح بعد، اِقتلعها من جذورها وأفرغ الأصّ من التّراب.
أفرج عن قلبه، وألقاه دون الاهتمام، أتُراه سقط أم طار؟! وعوّضه بالقرنفلة.
فتح السلسلة وملأ جمجمته ترابا. أحسّ بعد ذلك بالتّعب الشديد، فأسرع ليتمدّد على سريره، وغاب في جوف السبات.
حين استفاق، تلمّس جبينه وابتسم.. لقد اندمل الجرح أخيرا!
مجلة فن السرد | محاكاة


إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا