في الأدب السوسي

الكاتب: أنس بوسلامتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

مجلة فن السرد

مما يسترعي انتباه القارئ حينما يطالع العمل الببليوغرافي الموسوم بـ: "المصادر العربية لتاريخ المغرب" للعلامة محمد المنوني، هو تصدر الأدب للمصادر الدفينة[1]، وهو ما قد يناقض الحكم الذي دأب أهل فاس على إطلاقه على أهل سوس، والذي ذكر العلامة محمد المختار السوسي مثالا عنه في مصنفه المعسول حين أورد كتاب نفحات الشباب (مبتور الآخر)، والذي يروي لنا سريعا بعضا من تجربة أحد فقهاء وأدباء سوس وهو العلامة محمد الكنسوسي خلال مخالطته للفاسيين أثناء دراسته بجامع القرويين، حيث قالوا له: “أما الفقه والنحو فعندكم، وأما غيرهما كالأدب فبلادكم صفر منه”([2])، فلم يمض عليه زهاء ثماني سنوات حتى أشير إليه بالأصابع، وعُدّ من ذوي الفهم والتحصيل([3])، إضافة إلى الدور الذي لعبته الأسر العلمية – لاسيما السوسية منها - في نشر الآداب وتداولها([4])، وقد عزز هذا بروز ظاهرة الندوة الأدبية لاسيما بإلغ([5])، وهو ما يؤكده محمد المختار السوسي بقوله: “ثم لا يفوتنا أن ننبه على ظاهرة بإلغ لم تكن في غيرها، مما يشاركها في الاعتناء الأدبي، وهي وجود ندوة أدبية انتقادية يُعرض أمامها كل شيء، فتقبل وترد، وإن كانت لا تخرج عن دائرة المجاملات، وتتخذ انتقاداتها في صفة إرشادات، وكان رئيس هذه الندوة أبا الحسن علي بن عبد الله الإلغي الأديب الكبير، فلا تخطر قصيدة جديدة، أو رسالة حديثة كيفما كانت، وإن لم تكن إلا من مبتدئ في خطوته الأولى إلا وتتلى في المجمع، والعيون شاخصة، والأسماع مرهفة، فيُشاد بها للمجيدين، ويُرشد بالملاطفة غير المجيدين، فهذه الندوة لها تأثيرها كثيرا في الإشادة بالأدب الإلغي وفي تنشيطه إلى الأمام”([6])، ومما لا شك فيه أن هذه الندوة جاءت لتحاكي ما عرفه المشرق العربي خلال العصر الجاهلي، ألا وهو سوق عكاظ على اعتباره يمثل ندوة أدبية على غرار ما وصف مؤرخو سوس.

ومما يلفت الانتباه أيضا الغياب التام للمرأة عن مجال التأليف والإبداع، ويفسر ذلك بعدة اعتبارات، منها أن طبيعة المجتمع المغربي عموما ومجتمع سوس خصوصا طبيعة ذكورية على اختلاف العصور والمراحل التاريخية التي عرفتها المنطقة، ومن الأمثلة الدالة بوضوح على هذه العقلية - والتي طالت حتى النخب المثقفة – نذكر العلامة محمد المختار السوسي، والذي برر عدم اهتمامه بالتأريخ والترجمة للأعلام من النساء بقوله: “وهل قمنا بكل أصحاب العمائم حتى نفرغ لذوات القناع”([7])، أضف إلى هذا أن مجتمع سوس مجتمع محافظ لم يسمح بتعليم المرأة واحتكاكها مع الرجل في المجتمع خارج البيت إلا في حدود ضيقة، وفي حالات استثنائية ونادرة.

 



[1]- قسّم الفقيه محمد المنوني المصادر العربية لتاريخ المغرب إلى قسمين رئيسين: الأول، سمّاه المصادر الموضوعية مثل كتب التاريخ والتراجم والفهارس، والثاني سمّاه المصادر الدفينة مثل كتب الأدب والرحلات والتصوف.

[2] محمد المختار السوسي، المعسول، الجزء 18، مطبعة النجاح الجديـدة، الدار البيضاء، 1960، ص 286.

[3] أحمد الشرقاوي إقبال، “أبو عبد الله محمد بن أحمد الكنسوسي”، ضمن موسوعة: معلمة المغرب، الجزء 2، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، 1989، ص 632.

[4] المهدي بن محمد السعيدي، تداول الآداب في أوساط الأسر العلمية بسوس، ضمن الندوة الوطنية: الأسر العلمية في سوس، عُقدت بتزنيت من 20 إلى 22 دجنبر 2002. نظمتها مجموعة البحث في الأدب العربي السوسي، بتعاون مع المجلس البلدي لمدينة تزنيت، تنسيق المهدي السعيدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، 2003، ص 60 - 74.

[5] إلغ: قرية بمنطقة سوس، وقد كانت مركزا ثقافيا مهما خلال القرنين 17 و18م، وهي مسقط رأس العلامة محمد المختار السوسي.

[6] محمد المختار السوسي، سوس العالمة، مطبعة فضالة، 1960، ص 103.

[7] محمد المختار السوسي، المعسول، الجزء 2، المرجع السابق، ص 50.

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث