شجرة الحب | مصطفى لغتيري

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

شجرة الحب

في طريقهما نحو الشاطئ، كانا يمضيان بخطوات مرتبكة، وكأنهما على وشك أن يتحولا إلى شيء لم يخطر لهما من قبل على بال.

 متماسكين كانا يدا بيد، وكأنهما يخشيان أن يتوها عن بعضهما البعض، في هذا المكان الضاج بالنوايا، التي تتبرعم خلسة، في غفلة منهما، وتنبت بكثافة وإصرار في حديقة لا وعي كل منهما.

 في لحظات متقاربة كان كل منها يختلس نظرة حيية إلى الآخر، ثم يبتسمان في نفس الوقت تقريبا، وما يلبثان بعد ذلك، مدفوعين برغبة غريبة، أن ينظرا معا نحو الأفق البعيد.

فجأة استوقفهما منظر شجرة متكاثفة الأوراق، ملتفة الأغصان، ذات شكل غريب، وكأنها معادل موضوعي لشيء مختلف تماما، يخطر على البال فجأة، في وقت لا يمكن توقعه، لكن حين تركز فيه لتعرف كنهه،  يختفي بغتة كما ظهر، فلا يظفر منه المرء  بشيء غير السراب، أو شيء يشبهه تقريبا.

 في لحظة ما داهمهما نفس الإحساس المخاتل، بأن تلك الشجرة حتما تسكنها روح كائن من طبيعة مختلفة، بيد أنهما لم يعرفا هويته، ولم يشغلا به بالهما كثيرا.

بعمق نظرت الفتاة إلى الشجرة نظرة حالمة، محاولة تذكر شيء بعيد، يطفو على سطح الذاكرة ثم يغوص عميقا فلا يظهر له أثر، شيء غامض من الطفولة، ذكرى، كلمة، جدار، حقل، ساقية، حاولت التخلص من سيل الكلمات، ثم قالت له:

-ترى بماذا يمكن أن تصفها؟

محضها بنظرة حانية، تذكر لحظتها هيئتها المتغنجة، حين رآها قادمة إليه من بعيد. كانت تختال في مشيتها، وكأنها راقصة بالي، تؤدي رقصتها البديعة على الحلبة، وهي تمتطي صهوة جموحها الطارئ، انتزع نفسه من تهيؤاته المضحكة، وبلطف سحبها نحوه، ثم  أحاط كتفيها بذراعه، فأحس وكأنه طائر ضخم، يخفيها تحت جناحه كثيف الريش.

 متأثرة بحضنه، اتسعت ابتسامتها أكثر،  فظهرت غمازتان جميلتان على خديها، ولمع بريق جميل في بؤبؤي عينيها. 

ألقت صورتها الجميلة بفتنتها على قلبه وعقله، فتخيلها انعكاسا للوحة شهيرة. أخبرها بذلك، فتراقص بعض الخجل على محياها. كاد لحظتها أن يتخيل نفسه راقص بالي، بهندامه المميز ورشاقته المثيرة للإعجاب، فيختطفها بسرعة من أرضية ميدان الرقص، ليحمل جسدها الرياضي المتناسق، ويؤديا الرقصة معا، لكنه تعقل في اللحظة الأخيرة، وتراجع عن ذلك، فمهما كان مجنونا لن يغامر بفعل ذلك في الشارع العام، واكتفى، بدلا من ذلك، بالشعور بأنه يمكنه فعل ذلك، ولو على مستوى الخيال.

انتزع نفسه من شروده، ما زال سؤالها قيدا يربطه بالشجرة، كانت الفتاة تنتظر إجابته بشوق، وكأن ذلك يعني لها الكثير، أو أنه يمكن أن يفك لغزا عصيا يتلاعب بذهنها، أو أنه سيخلصها من حالة نفسية صعبة وجدت نفسها ضحية لها. عاد ببصره نحو الشجرة. تمعن فيها قليلا ،ثم قال لها:

-وكأنها كتلة مشاعر، انفلتت من بين ضلوعنا، واتخذت لها شكل شجرة.

أعجبها التشبيه. ابتسمت. مالت نحوه بخدها. أهداها قبلة خفيفة، ثم تابعا طريقهما نحو الشاطئ.

مجلة فن السرد | محاكاة 

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث