اَلْقَارُورَةُ الْعَجِيبَةُ | أميرة بلحاج

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

أميرة بلحاج

قصة
الكاتبة المبدعة أميرة بلحاج

 مِيرَال فَتَاةٌ أُورُوبِّيَّةٌ ذَاتُ أُصُولٍ عَرَبِيَّةٍ، تَعِيشُ حَيَاةً مِنَ الرَّفَاهِيَةِ وَالْفَخَامَةِ فِي قَلْبِ أُورُوبَّا، عَاشَتْ مِيرَالْ دَائِمًا فِي دَلَالٍ وَتَرَفٍ، تَلْبِسُ أَفْخَرَ الْمَلَابِسِ وَتُسَافِرُ حَوْلَ اَلْعَالَمِ بَحْثًا عَنِ الْجَمَالِ وَالْأَمَاكِنِ اَلسَّاحِرَةِ. 

ذَاتَ يَوْمٍ قَرَّرَتْ مِيرَالْ زِيَارَةَ مَدِينَةِ طَنْجَة اَلْمَغْرِبِيَّةِ، مَدِينَةُ اَلْأَسْرَارِ اَلْمُطِلَّةُ عَلَى مُلْتَقَى الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ وَالْمُحِيطِ الْأَطْلَسِيِّ، عِنْدَ وُصُولِهَا لَاحَظَتْ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَتَمَيَّزُ بِنَسَمَاتٍ عَطِرَةٍ وَشَمْسٍ دَافِئَةٍ مُشْرِقَةٍ، وَمَزِيج فَرِيدٍ بَيْنَ التُّرَاثِ اَلْعَرَبِيِّ وَالْأَنْدَلُسِيِّ وَالْأُورُوبِّيِّ.

 تَجَوَّلَتْ مِيرَالْ فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي تُحَدِّثُنَا عَنِ التَّارِيخِ بِصَمْتٍ، مَبْهُورَةً بِجَمَالِ الْأَسْوَاقِ الشَّعْبِيَّةِ وَرَوْعَةِ الْأَقْمِشَةِ الْمُلَوَّنَةِ وَالْحِرَفِ التَّقْلِيدِيَّةِ الْمُتْقَنَةِ، وَمَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، تَوَجَّهَتْ مِيرَالْ نَحْوَ مَغَارَةِ هِرَقْل الشَّهِيرَةِ، وَعِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَغَارَةِ تَوَقَّفَتْ مَذْهُولَةً أَمَامَ مَشْهَدِ اَلْبَحْرِ الْمُمْتَدِّ بِلَا نِهَايَةٍ، وَانْعِكَاسِ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَلَى الْمِيَاهِ الزَّرْقَاءِ الصَّافِيَةِ، وشَعَرَتْ بِأَنَّهَا تَقِفُ فِي مَكَانٍ أُسْطُورِيٍّ تَرْوِي جُدْرَانُهُ قِصَصًا مُشَوِّقَةً عَنِ الْمُغَامَرَاتِ اَلْقَدِيمَةِ لِهِرَقْل، وَدَاخِلَ الْمَغَارَةِ اِلْتَقَطَتْ مِيرَالْ صُوَرًا جَمِيلَةً لَهَا وَهِيَ تَبْتَسِمُ بِفَرَحٍ وَأَنَاقَة، وَتَحْمِلُ حَقِيبَتَهَا الْفَاخِرَةَ وَتُعَدِّلُ نَظَّارَتَهَا الشَّمْسِيَّةَ الرَّاقِيَةَ، وَبَيْنَمَا هِيَ تَتَأَمَّلُ الْفتْحَةَ الشَّهِيرَةَ الَّتِي تُشْبِهُ خَرِيطَةَ افْرِيقْيَا اِجْتَاحَتْهَا مَوْجَةٌ مِنْ الدَّهْشَةِ وَالْإِعْجَابِ، وَرَاحَتْ أَفْكَارُهَا تُسَافِرُ بَعِيدًا إِلَى زَمَنٍ قَدِيمٍ، تَتَخَيَّلُ فِيهِ هِرَقْل وَهُوَ يَخُوضُ مُغَامَرَاتِهِ الْأُسْطُورِيَّةَ، وَيَخُطُّ بِيَدَيْهِ الْقَوِيَّتَيْنِ جُدْرَانَ هَذِهِ الْمَغَارَةِ الْخَالِدَةِ، وَعِنْدَ خُرُوجِهَا مِنَ الْمَغَارَةِ، لَفَتَ اِنْتِبَاهُهَا مَتْحَفٌ صَغِيرٌ لِلْقَوَارِيرِ الزُّجَاجِيَّةِ بَاهِظَةِ الثَّمَنِ، حَيْثُ وَقَفَتْ مُنْدَهِشَةً أَمَامَ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا الْخَلَّابَةِ، وَتَخَيَّلَتْ أَنَّ كُلَّ قَارُورَةٍ تَحْمِلُ قِصَّة مِنَ الْقِصَصِ الْخَيَالِيَّةِ وَالْمُغَامَرَاتِ الْغَامِضَةِ، وَلِأَنَّ مِيرَالْ طِفْلَةٌ مُدَلَّلَةٌ جِدًّا فَقَدْ أَقْنَعَتْ أُمَّهَا بِشِرَاءِ وَاحِدَةٍ، فَدَخَلَتَا الْمَتْجَرَ وَوَقَعَ نَظَرُ مِيرَالْ عَلَى قَارُورَةٍ بَنَفْسَجِيَّةٍ، فَقَالَتْ لِأُمِّهَا: 

- أُمِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِي هَذِهِ الْقَارُورَةَ.

أَجَابَتْهَا أُمُّهَا بِكُلِّ حُبٍّ:

- حَسَنًا يَا حُلْوَتي الصَّغِيرَة.

فَقَالَ صَاحِبُ الْمَتْجَرِ:

- اِخْتِيَارٌ مُوَفَّقٌ، لَكِنْ اِحْذَرِي سَيِّدَتِي لِأَنَّ هَذِهِ الْقَارُورَة سِحْرِيَّةٌ وَتَحْبِسُ دَاخِلَهَا الْأَشْخَاصَ غَيْر الْمُهَذَّبِينَ.

ثُمَّ قَالَتْ مِيرَالْ بِاسْتِهْزَاءٍ:

- مَا هَذِهِ الْخُرَافَات!

فَرَدَّ عَلَيْهَا الْبَائِعُ:

- كَمَا تَشَائِينَ.

ثُمَّ اِبْتَسَمَ، فَأَخَذَتْ مِيرَالْ الْقَارُورَةَ وَعَادَتْ إِلَى الْفُنْدُقِ مَعَ أُمِّهَا، وَوَضَعَتْهَا فِي غُرْفَةِ نَوْمِهَا.

بَعْدَ مُرُورِ أَيَّامٍ دَخَلَ سَامِي أَخُ مِيرَالْ إِلَى غُرْفَتِهَا وَتَشَاجَرَ مَعَهَا لِأَنَّهَا أَخَذَتْ لُعْبَتَهُ الْمُفَضَّلَةَ دُونَ اِسْتِشَارَتِهِ، فَصَرَخَتْ فِي وَجْهِهِ وَتَلَفَّظَتْ بِكَلِمَاتٍ جَارِحَةٍ، فَتَوَهَّجَتِ الْقَارُورَةُ وَحَبَسَتْ مِيرَالْ دَاخِلَهَا، فَانْصَدَمَ اَلْأَخُ وَهَرْوَلَ مُسْرِعًا إِلَى أُمِّهِ لِيَرْوِيَ لَهَا مَا حَدَثَ. أَحَسَّتِ اَلْأُمُّ بِخَوْفٍ شَدِيدٍ ثُمَّ أَسْرَعَتْ وَحَمَلَت الْقَارُورَةَ وَذَهَبَتْ إِلَى صَاحِبِ الْمَتْجَرِ، وَقَالَتْ وَهِيَ تَرْتَجِفُ:

- أَرْجُوكَ يَا سَيِّدِي أَخْرِجْ اِبْنَتِي مِنَ الْقَارُورَةِ السِّحْرِيَّةِ.

فَأَجَابَهَا:

- لَقَدْ حَذَّرْتُكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَارُورَةِ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تُصَدِّقُوا كَلَامِي، وَلِلْأَسَفِ الْحَلُّ لَيْسَ بِيَدِي بَلْ هُوَ بِيَدِ الشَّخْصِ اَلَّذِي تَشَاجَرَتْ مَعَهُ مِيرَالْ، إِذْ يَجِبُ أَنْ يُسَامِحَهَا حَتَّى تَسْتَطِيعَ الْخُرُوجَ مِنَ الْقَارُورَةِ.

فَقَالَ أَخُوهَا مُبَاشَرَة:

- أَنَا أُسَامِحُهَا، أَنَا أُسَامِحُهَا، أَخْرِجْهَا بِسُرْعَةٍ، فَهِيَ طَيِّبَةٌ جِدًّا، وَأَنَا اِشْتَقْتُ إِلَيْهَا كَثِيرًا.

فَتَوَهَّجَت الْقَارُورَةُ السِّحْرِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى، وَخَرَجَتْ مِنْهَا مِيرَالْ وَهِيَ مُنْدَهِشَةٌ وَتَبْكِي بِحُرْقَةٍ وَتَقُولُ:

- سَامِحْنِي يَا أَخِي، لَنْ أُعِيدَ الْكرّةَ مَرَّةً أُخْرَى، أُحِبُّكَ كَثِيرًا.

وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَعَلَّمَتْ مِيرَالْ الْمُدَلَّلَة أَنْ تَحْتَرِمَ النَّاسَ وَلَا تَتَلَفَّظُ بِكَلِمَاتٍ جَارِحَةٍ وَمُهِينَةٍ.

فِي الْمَسَاءِ، جَلَسَتْ مِيرَالْ فِي أَحَدِ الْمَقَاهِي الرَّاقِيَةِ عَلَى مُرْتَفَعٍ يُطِلُّ عَلَى مَدِينَةِ طَنْجَة تَسْتَمْتِعُ بِمَشْهَدِ الْمَدِينَةِ الْمُضِيئَةِ اَلَّتِي تَبْدُو وَكَأَنَّهَا تَضُمُّ نُجُومًا مُتَلَأْلِئَةً، فَتَنَفَّسَتْ بِعُمْقٍ وَقَالَتْ لِنَفْسِهَا مُبْتَسِمَةً:

- لَمْ أَتَوَقَّعْ أَنْ تَكُونَ مَدِينَةُ طَنْجَة بِهَذَا الْجَمَالِ السَّاحِرِ، وَأَنِّي سَأَعِيشُ فِيهَا هَذِهِ اَلْمُغَامَرَةَ اَلرَّائِعَةَ.

غَادَرَتْ مِيرَالْ مَدِينَةَ طَنْجَة وَهِيَ تَحْمِلُ ذِكْرَيَاتٍ لَا تُنْسَى وَصُوَرًا فَاخِرَةً تَلِيقُ بِرِحْلَتِهَا، وَقَدْ عَزَمَتْ فِي نَفْسِهَا أَنْ تَعُودَ مُجَدَّدًا فِي الْقَرِيبِ الْعَاجِلِ لِهَذِهِ الْمَدِينَةِ الَّتِي أَسَرَتْهَا بِجَمَالِهَا السَّاحِرِ وَالْأَنِيقِ، لَعَلَّهَا تَعِيشُ مُغَامَرَةً جَدِيدَةً كَمُغَامَرَاتِ هِرَقْلْ الْقَوِيِّ الَّذِي أُعْجِبَتْ بِمَغَارَتِهِ.

مجلة فن السرد | مشاتل 

التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث