السرد والعلم واللسانيات: تفكيك الحدود وإعادة تشكيل الأنساق المعرفية في مشروع الدكتور عبد الرحيم أخ العرب | نزار لعرج

الكاتب: نزار لعرجتاريخ النشر: عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

الدكتور عبد الرحيم أخ العرب

"خيالي يجعلني إنسانا ويجعلني أحمقا؛ يعطيني العالم كله وينفيني منه."
أورسولا لي غوين

افتتحتُ هذه القراءة بهذه المفارقة التي تصوغها أورسولا لي غوين، لأنني رأيتُها تتقاطع عميقا مع الرؤية التي يبسطها الدكتور أخ العرب عبد الرحيم في كتابه «السرد والعلم واللسانيات: نحو سرديات ما بعد كلاسيكية من البنية إلى الذهن»، الصادر عن مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية – المغرب سنة 2025.

الكتابُ هو عملٌ علميّ لافت، يحتفي،  منذ عنوانه العلامة الدالة الأولى، بالتقاطع الحيّ بين الحقول المعرفية، ويشي بمغامرة فكرية لا تستكين للتقسيمات الجاهزة بين الأدبي والعلمي، ولا ترضى بأن يبقى السرد حبيس البنية الثابتة، أو محصورا داخل قفص الحكاية.

أما الغلاف، بألوانه وتكويناته البصرية الغامضة، والذي تتقاطع فيه التجريدات التشكيلية مع رموز الخط العربي، فهو امتداد رمزي لما يحمله المتن من طموح إلى إعادة بناء العلاقة بين "العين الساردة" و"الذهن المفكر"، بين الإبداع والبراديغم العلمي.

في مقدمة الكتاب، يرسم المؤلف خريطة طريق لسرديات جديدة تُفهم بوصفها أنساقا معرفية تعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والعالم. إذ يقترح توسيع مجالات  السرد البحثية النظرية والتطبيقية، والانتقال من "السرد بوصفه خطابا" إلى "السرد بوصفه جهازا مفاهيميا"، يختبر حدود الذكاء، ويتفاعل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويتصل بالفعل المعرفي للمخيال. بذلك، لا يعود السرد فعلا جماليا خالصا، بل يتجاوز الجمالية ويصبح وسيلة لفهم الذات والواقع، وربما لاختراقهما معا.

ينتصر الكتاب لما يسميه المؤلف بـ"السرديات ما بعد الكلاسيكية"، التي لا تنظر إلى النص بوصفه بنية مغلقة، بل تشتغل عليه باعتباره شبكة من التفاعلات بين البنية والذهن، بين القارئ والوسيط، بين اللغة والعلم. وفي هذا الإطار، تُفكّك المقدّمة المفاهيم الراسخة، وتعيد صوغ الأسئلة السردية الكبرى على ضوء ما تقدمه اللسانيات المعرفية، وعلم الأعصاب، ونظريات الإدراك.

والحق أن الكتاب لا يكتفي بالتنظير، بل يرصد بمنهجية دقيقة تحولات السرد في ضوء مستجدات العلوم المعرفية، متسائلا عن السرد بوصفه تجربة إدراكية، وأداة لمحاكاة الواقع، ووسيطا للذكاء في زمن تتقاطع فيه الذاكرة مع الخوارزمية، والتأويل مع البرمجة، والعاطفة مع المعالجة الذهنية.

هكذا، ومن خلال مقدمة مكثفة وعميقة، يعلن الدكتور أخ العرب عبد الرحيم عن مشروع نقدي-معرفي يطمح إلى تأصيل سرديات معرفية جديدة، تشتبك مع اللسانيات والعلوم الإنسانية، وتعيد للسرد مكانته كأفق للتفكير، لا مجرد شكل للحكاية كما كان في السرديات الكلاسيكية.

وهكذا، يفتح هذا الكتاب الشهية للاشتغال النقدي والفكري عليه، سواء من داخل حقل الدراسات السردية أو من خارجه، ويبدو امتدادا طبيعيا، بل تتمةً ضرورية، لكتاب الدكتور السابق «السرد وقراباته السرية». بهذا، يواصل المؤلف بناء مشروعه السردي-المعرفي الطموح، معلنا عن أفق جديد في مقاربة السرد، يتجاوز التصنيفات، يعبر التخصصات، ويحتفي بالمعرفة بوصفها جوهر الحكاية وسرّها المستتر.


التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث