![]() |
الهروب من الإطار "1" | الحسين قيسامي |
" كلّ شيء يخدع .. يفتن بنفس الوقت".
أفلاطون
بمتحف اللوفر بباريس، أخذتني خطواتي المتمهلة الخاشعة، صوب لوحة "الهروب من الإطار" للرسام الإسباني بيردل بوريلا 1874. لوحة محاطة لوحدها بسياج يحول دون الاقتراب منها. تسمرت في مكاني وظللت مبهوتا أمام روعتها.
وتوضح اللوحة صورة صبي تبدو عليه ملامح الدهشة والخوف من الخارج، وهو يحاول التملص من الإطار الذي وضع فيه. شهق الطفل وهو يستعيد أنفاسه والدمع في مٍحْجَريه...قفز من الإطار وهو يتنهد بشكل متسارع، يسحب أنفاسا عميقة من صدره، ضمني بحنان مستنجدا:
"لا تتركني أبدا "
مررت لساني على شفتي ونظرت إليه بعمق وأنا أهمس بخفوت في أذنيه:
" واش بغيت تباصيني....ارجع داخل الايطار ؟
أخذته في أحضاني، وأنا أُهَدْهِدُه لتستكين نفسُه في لهفة الأب الخائف على مصير ابنه الضال.
ــ يا ولدي لا تَفِرَّنَّ من قدرك: مقدورك أن تبقى مسجونا بين الزَّاج واللُّوح. وتكون حياتك طول العمر مثخونة بجروح.
ألا تعلم، بأن كل ساكنة المعمور شاهدوك وأنت تقوم بمحاولاتك البائسة للفرار من نافذة لوحتك؟ فَارْضَ بما قسمه الله لك.
اختفينا عَلَى حِينِ غِرَّةٍ في شوارع باريس على نغمات أنشودة لعبة غميضة:
هيا هيا ......... نجري جريا
غط البصرا ......... و خذ الحذرا
أنا في الصف .......... أنا في الخلف
أنا يمناك ............ أنا يسراك
سارع سارع ............. أنت البارع
أدرك ندك ................ تبلغ قصدك.
1--تعتبر هذه اللوحة مثالا جيدا لفن الترومبلوي: توظيف صور واقعية لخلق نوع من الخداع البصري، تظهر فيها الأشياء ثلاثية الأبعاد بدلا من بعدين فقط، وذلك من أجل إضافة محور آخر للرؤية غير موجود.
استخدم بيردل بوريلا تقنية الخداع البصري (ترومبلوي. Trompe l’œil) في رسم هذه اللوحة، والتي كانت متعارف عليها في الفن اليوناني و الروماني مثل جداريات بومبي المشهورة التي تصوّر مناظر عن طبيعة متخيّل.
مجلة فن السرد | محاكاة
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا