المبدعة مها شتا/ مصر |
بخطوات ثابتة ثقيلة اقترَب منها..رعشت شفتاه وهو ينظر إليها، أخذ يتأملها طويلاً ولا يدري هل انسابت دمعة ساخنة من عينه أم أنه توهم ذلك، ظلت قدماه تقترب.. يناديها بشفتين مغلقتين، تحسس نبض قلبه المتصاعد، رجفت يداه من جديد.. جلس أمامها يرقبها أو يرمقها، اختلطت مشاعر الحب والبغض لديه، رفع يده وبرأس شامخ أعلنها لنفسه:
"لن أضعف من جديد"
نهض مبتعدًا عنها عازمًا الرحيل ولكن رائحة عطرها الفتاك أسرت لبه فعاد جالسًا أمامها، تحولت نظرته في تلك اللحظة، لاحت ابتسامة فوة شفتيه، اقترب منها، حاول أن يلمسها، فتراجعت يده على استحياء من نفسه، أغمض كلتا عينيه فعجز عن عدم رؤيتها، غطى وجهه بكلتا كفيه مصارعاً نفسه حتى أعلنها بيأس:
"لا يمكنني الابتعاد، أنا أعشقكِ حتى النخاع، لا يمكنني الاستغناء عنك، إنها الحقيقة المؤلمة، ليتكِ تفهمين"
صمت مطبق سيطر للحظات...، اقترب منها، تحسسها في تلك اللحظة، سرت رعشة بين ثنايا جسده، أبعد كفه قسرًا عنها:
"بالتأكيد تتمنين لثمي لك، أنت تخضعين لأي شخص، يعشقك كافة الرجال المرضى أمثالي، لا يكلون من لثمك، تتلذذين كما نتلذذ، أنت شر قاتل، مؤذ، لذيذ"
خانته الكلمات فاعترف بها، أمسك رأسه بكلتا كفيه مردداً داخل نفسه:
"كيف لرجل مثلي أن يستسلم؛ أشعر بسعادتِك وأنا خاضع لكِ، مذلول بهواكِ، أوقن بلهفتكِ للقائي، تتمنين أن أحتضنكِ بيديَ، أن تذوبي بين شفتيَ، نورك.. أعشق رؤياه، ورائحتك... آه"
زفر معترفًا باستسلامه:
"لا يمكنني الاستغناء عنكِ، هل توافقين على لقائنا للمرة الأخيرة؟، أن نسبح في بحر هوانا؟، أن نحظى بالنشوة معاً؟، هل ترضين؟"
صوت أنفاسه المتلاحقة هو الصوت الوحيد المنبعث من المكان، سعل بصعوبة مستدركًا كلماته:
" بالطبع سترضين، كيف لك الرفض، أنت لا ترفضين رجلا أو امرأة، أنت المعشوقة الدائمة، أنتِ الجميلة القبيحة"
أثنى ركبتيه فبدا في وضع الركوع، قرر الاستغناء عن عقله والخضوع للذة للمرة الأخيرة، هكذا أخبر نفسه، تحسس جيب سرواله وأخرجها من جيبه، هامساً لنفسه:
"هكذا سيتم الأمر بنجاح"
اقترب منها محتضناً قبضته اليمنى بيسراه، صار أمامها، أخذ شهيقاً طويلاً، وابتسم:
" لن يستغرق الأمر كثيراً، ستنالين ما تستحقين.. الآن"
لم يمنع نفسه هذه المرة، تحسسها قبل أن يقرر النيل منها، نحيفة كعادتها، هشة من الداخل، لامعة، كما يراها دائماً، أمسكها.. لحظات مضت كقرن من الزمان، أنامله ترتعش، أنفاسه تتصاعد، أغمض عينيه، ثوانٍ أخرى مضت كزمن خاضت به الدول جميع حروبها، ثم فتح عينيه على مصرعيهما، وأخيرًا...
بدأت مهمته في التنفيذ؛ لثمها بين شفتيه، أمسك قداحته ليشعل نورها، وينشر رحيقها، اشتعلت.. ومضت، فاح عطرها، أخذ ينهل منها، يمتصها بكل ما أوتي من قوة، تمنى لو أمكنه الاحتفاظ بهذا الرحيق داخل قلبه، ذابت بين شفتيه وذاب هو داخلها، لم يدرِ من المنتشي منهما؟، تمنى أن تطول هذه اللحظة، أراد أن يتوقف به الزمن.. هنا..
كتم آذانه عن صوت الحياة بأكملها، لم ينتبه إلى الصخب المرتفع الذي هز أرجاء المكان، ربما وصل لمسامعه، لكنه لم يبالِ، كان عذاب اللذة يكفيه، ربما كان جسده يتألم، ولكن عشق الروح طاغٍ، مسكن للآلام جميعها، علا الصوت وزادت متعته، نفث دخانها، تأوه بتلذذ، طرقات عالية، صوت صافرة تعلو وتعلو..
"هل هو إنذار حريق؟، من يبالي؟!، لن يمنعني أحد عنكِ، أنتِ لي وحدي اليوم، لن ينال منك أحد غيري"
كُسر الباب ليغزو الحجرة مجموعة من أصحاب الملابس البيضاء، ورجل يحمل مطفأة حريق، صرخ أحدهم
- أيها المجنون، تدخن وأنت خارج للتو من العمليات، من أغلق هذا الباب، و...........
كلمات كثيرة اخترقت آذانه يغلب على معظمها "مجنون، معتوه، متهور، ..."
"يلوموني على دفعي رشوة للحارس حتى يغلق عليّ الباب؛ لأنال متعتي ولذتي؟، أشعر بصدري يغلق بابه، لقد اكتفى بما ناله من متعه، والآن ذهبت السكرة، وبرزت الحقيقة كوني رجلا أجرى لتوه عملية جراحية، أستلقي على فراش إحدى المستشفيات، أصارع الموت والحياة، ورغم كل شيء اخترت أن أحظى بمتعتي الأخيرة"
و... كح كح
"أشعر بصراخ رئتيَ، عقلي يناشدها على الصمود ولكني قررت أن أذهب في ثبات عميق.. وداعاً أيتها الجميلة القبيحة."
مجلة فن السرد| محاكاة
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا