recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

القصة الفائزة بالمرتبة الثالثة I وَجْه I خديجة السويدي

 

مجلة فن السرد
القاصة خديجة السويدي

 جلست في الصفوف الأمامية على الكرسي الأحمر قبالة خشبة المسرح لأشاهد المسرحية عن قرب، ولكي لا يشوش أحد على قنواتي البصرية والسمعية والعقلية والإحساسية. جلست دون أن أنظر إلى الجالس يميني أو يساري أو أشارك أحدا الحديث أو الثرثرة. كان تركيزي كله منصبا على المسرحية ولا شيء غيرها.

    بدأت المسرحية فبدأت معها، لم أشعر بانفصالي عنها ولا باتصالي بها، كنت كمن يقف بين بين، لا أنا من المشاهدين ولا أنا من المشاركين. كانت مشاهدها تمر أمامي كمرور حياتي، فكنت أشعر بين الفينة والأخرى كأني رأيتها قبلا لكن أين؟

    لستُ أدري أين رأيتها أو أين عشتها؟! بحث في كل صناديق الذاكرة ودهاليزها الغابرة ولم أجد إجابة على سؤال طرحه عقلي ونطقته شفتاي. تذكرت، لحظتها، أني أشعر، أحيانا، بأشياء غريبة تحدث فتكاد تدخلني في حالة من الشك في وجودي وتواجدي الحاليين، وفي انتمائي لهذا العصر. أكون أحيانا جالسة أو أتحدث إلى شخص ما، أو في ضيافة شخص ما، أو في مكان ما، أو أو؛ فأشعر أنني عشت تلك اللحظة أو اللقطة في مكان ما، وفي زمان ما، أو أنني رأيتُ ذلك المشهد قبلا، يبدو لعيني مألوفا إلى حد أشعر فيه بتداخل يكاد يصيبني بالدوار أو الإغماء.. تكرر ذلك معي كثيرا وكنت دائما أفسر ما يحدث بتفسيرين:  الأول خرافي: قلت لأنايْ، أنني، عندما كنت ما أزال، جنينا، في بطن أمي شاهدت حياتي من ألفها إلى يائها، ألا يقال أن الجنين يرى، قبل ولادته، ما سيعيشه، وأن حياته تعرض عليه  في بطن أمه عرضا سينمائيا، لكن دون قطع أو تركيب.

الثاني أسطوري: كنت أقول لنفسي، أنني، كنتُ أعيش قبل زماني هذا، في عالم وزمان آخرين إما سابقين أو لاحقين، والمرجح، عندي، أنهما سابقين لا لاحقين، وولدت من جديد في هذا العالم، ربما لأني لم أحقق أحد أحلامي أو رغباتي، وربما لأن الأشخاص الذين يموتون يولدون، من جديد، في شكل وهيئة مخلفين وبذاكرة ممسوحةٍ...

   خرجت من تفكيري على عَجَلٍ، بصفيرٍ مزعج نبع من جوار أذني اليمنى، تبعه صوتُ أياد تصفق بحرارة مفرطة، لم أفهم لما يصفقون؟! لكني صفقتُ كي لا يعتقد أني كنت حاضرة غائبة. ركزت نظري أو تركز نظري على وجه بدا مألوفا لعيني وذاكرتي، فنظرت إليه بعينين جاحظتين فإذا بالوجه وجهي.. تحسست وجهي فوجدته ما يزال في مكانه، نظرتُ إلى شبيهي فتبسم في وجهي وبوجي بمكر وأخذ يُقلدني، في كلِّ شيْءٍ، ولا في شيء..

   أدرت وجهي إلى الجالسين بجواري فإذا بوجهي على وجوههم بل بوجوههم.. بل وجههم.. لست أدري؟! التفت خلفي فوجدت وجوههم وجهي.. صرخت صرخة قوية، مؤلمة لكنها علقت بحلقي ولم تغادره، أو غادرته لكنها كانت بلا صوت لِتُسمع..


القصة القصيرة الفائزة بالمرتبة الثالثة لمسابقة فن السرد الدورة 8

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مَجـَـــلَّةُ فَـــنِّ السَّــــرْد