recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

صحر أنور تتعقب "شخصا ثالثا" في مجموعة حسين عبد الرحيم القصصية

مجلة فن السرد


 قراءة في المجموعة القصصية "شخص ثالث" للكاتب  حسين عبد الرحيم 


ثمة حالات يسعى أصحابها إلى تخطي حواجز روح الواقع لتنطلق إلى فضاءات واسعة خاصة، يكون السرد فيها ذو أسلوب إنساني يشخص فيه نفسه وروحه. هكذا كان القاص حسين عبد الرحيم على مدار عشرة قصص في مجموعته القصصية " شخص ثالث".

على أجنحة القصص القصيرة يحلق الكاتب  حسين عبد الرحيم، ابن بورسعيد، الذي صدر له العديد من الأعمال منها "عربة تجرها الخيول، المغيب، ساحل الرياح ، المستبقي، شهادات الحب والحرب، سيرة " بالإضافة إلى مشاركته في عدة أعمال فنية في السيناريو والإخراج.

حسين عبد الرحيم مسكون بحنينه لبورسعيد، المدينة الباسلة والخالدة في روحه وموطنه، نوستالجيا الماضي والطفولة والشباب، المدينة والشوارع والأهل والأصدقاء. حنين يجول بنفسه، مُكّبلا برؤى الحنين، تجول بروحه، صحو ذكرياته موجات عذاب تنهمر من دفء مجراها بين ضلوعه، يختبأ بين الحروف مراوغًا ألمه، يكتب وكأنه يسأل القلم: أقلقت ياقلم .. فمن وافد الحزن من خدى كفاه، أنسيتُ ياقلم كيف الحب أنحنى بصوت كنت يوم غناه، من وجع الذكريات يكتب القلم بحبر دموع، يبتسم فيكتب الألم إبتسامة.

جاء عنوان المجموعة القصصية " شخص ثالث "، متناغمًا، معبرًا كنتيجة فعلية لمجريات الحكي، جزء من الحدث في كل قصة كما لو أن الحكايات هي التي أفرزت العنوان وليس العكس، دلالة على أن هناك شخص ثالث كان قاسما مشتركا بين كل القصص، موظف بشكل درامي، يظهر بين الحقيقة والخيال، الإنس والجن، الأب والجد ، الأصدقاء والأقارب، لا تراه بالعين بالمجردة، لا ملامح له. شخص ثالث غريب، يخرج من اتون الماضي ليصبح بطل كل الحكايات، يأخذك بقاربه القديم في رحلة بحرية أو قل إن شئت رحلة إلى جزر الحنين، من جزيرة إلى أخرى، بتكويناتها الرملية الصفراء، ألوانها الداكنة، تتجول بداخلها، تكتشف أسرارها، شخص غير مرئي يقود القارب، يتحرك كيفما شاءّ، يتمايل أحيانا، ويستقيم أخرى، لا ترى إلا ضباب ذكريات، ضوء مبهر في بؤبؤ عيون أهلها الحزينة، رغم صمتها .

شخص ثالث تشعر أحيانا أنه شخص، وأحيانا أخرى بحر، شجرة أو قارب، تقع في حيرة تتنقل معك من قصة إلى أخرى. وبالنظر إلى الغلاف تظن أنه هو هذا الشخص الهلامي كما رسمه مصمم الغلاف محسن عبد الحفيظ والذي كان موفقًا جدا في تصميمه.

على الرغم من أسلوب السرد الذي توغل في تفاصيل كثيرة، إلا أن المكان لعب دورًا أساسيا في كل الأحداث، تنساب مباشرة بلغة بسيطة، تتحرك في السياقات بقوة وبساطة في آنٍ. فهذا القص القصير يحرك متعة القاريء، حيث يرصد حياة وتبعات شخصيات كانت تعيش معه سواء في الحقيقة أم الخيال، حملت دلالاتها على الربط بينه وبين الأجواء العائلية، والأماكن بالمدينة في إطار فني باح بأشياء كثيرة عن مجتمعه الساكن بداخله، النائم على أسراره ، حتى أنه لم يمهلني وقتا بل جذبني إلى قارب الشخص الثالث وانطلق بي.

" منذ عشر سنوات وأنا أرى الحلم نفسه "، بدأت أول قصة " شخص ثالث" بهذه الجملة لنجد في الحلم المتكرر الأب يقود لنشًا يخترق صفحة ماء هادر، يدقق في ملامحه ، يدنو منه وهو في منطقة بين الوعي بلملمة أراف الحلم ، وبين اليقظة ليتشمم عرق أبيه ويرقب الوشم المرسوم على رقبته ، يحتار هل هو نفسه أم الأب أم الجد؟

ثم أبحرنا إلى جزيرة " صلاح الوزة " والتي قادتنا فيها مجريات الحكاية والعبور للماضي عبر بوابة الزمن باحثًا عن هذا الصوت القادم عبر الهاتف، يستعيد الزمان والمكان والشخوص منتشيا ، تتحجر دموع عينيه وهومحدقا بخوف وشغف في ميناء ساعته، خرجنا منها إلى جزيرة " فريدة " صاحبة النظرات المتلألئة الذي رآها في طلة الرب لعبده التائب، في التين والزيتون، فوق جبل موسى، في العشق ، في الملكوت، فوق أسرَّة المرضى الحيارى في بلاد الفقر والهجير،ثم فجأة هذه الفريدة توثق روحه في غرفة مظلمة وتطيح بصفاءه، هربنا من فريدة لاهثين، بينما كان الصوت يعلو في جزيرة " صراخ الحرير"، عندما صعد السلم ببطء حالما غريبا، يسكب أشواقه عبر أسطح المنازل القديمة ، ليرقب النصف شقراء المعجونة بشرتها بحمرة تركية، والحوريات التي استقر بهن المقام قبالة منزله في شارع الأمل، خرج الشخص الثالث هاربا من الحوريات إلى فضاء البحر منطلقًا إلى جزيرة " سيد غريب " الذي كان مسترخيًا على فراشه، يقلب في رسائله القديمة، يسترجع صورًا شتى من ماضٍ بعيد، يغوص في رمال الصحراء، يتجه صوب الثكنات العسكرية ثم يستدر ليصعد الفنار في جزيرة " الفنار" ، راح يدفع الباب بكلتا يديه اندفع يحدق مليا ، أغرورقت عيناه بالدموع ، جثا بركبتيه، اقترب حتى أصبح على بعد خطوتين من الصورة الغامضة، خرج يلهث باحثًا في جزيرة "عوض"يسأل نفسه كيف العثور عليك يا عوض؟ وهو يغني يا بعيد الدار عن عيني ومن قلبي قريب، كم أناديك.. أناجيك، وفجأة ظهر" شخص ثانٍ "غامض يعرف أنه ابنه الوحيد الالذي يشبهه كثيرا في السمرة والملامح والهيئة ، ولكن متى كان اللقاء الأخير؟ وفي جزيرة "البازات " يصرخ في البرية، في وحدته في الزمن القديم، يسأل عن جدوى الذكرى، يقع صريعا للمرارات العبثية، ما بين ماض وحاضر كئيب، ينادي الزمان يطلب المدد، ليصل في نهاية الرحلة إلى جزيرة " ميرندا" وغريب بن بحر.

هذه المجموعة القصصية ماهي إلا إطلالة من الحنين المطلة على نهر ضوء من ذكريات كاتبها القاص حسين عبد الرحيم.

مجلة فن السرد
د. صحر أنور



عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مَجـَـــلَّةُ فَـــنِّ السَّــــرْد