المرآة، مشاركة لنادي أيوب من مصر - مجلة فن السرد

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد التعليقات: 0 تعليق
مجلة فن السرد

                        
      المرآة    


كان قد رجع من عمله ذلك اليوم فى ساعة متأخرة حاملاً فى ذاكرته تقرحات ما تلبث أن تلتئم قليلاً حتى يزيد من إلتهابها روتين الأيام الذى كان سبب نشأتها من الأساس .. صعد درجات السُلم متحدياً آلام الروماتيزم التى أصابته منذ عدة أشهر , فتح الباب وسار فى ظلام دامس فى طريقه نحو غرفة ما , أضاء نورها وأزاح من على جسده قيود لم تكن تعنيه حين كان يسبح فى رحم والدته .. بالهيئة التى بدأ عندها عداد السنوات وصل إلى المرآة وظل مُستغرقاً فى تفاصيل تلك الصورة المنعكسة منها , يحاول بقدر الإمكان أن يحفظ ملامح وجهه التى لا يتوانى الزمن فى تغييرها أو ربما تشويهها كلما أتاحت له الفرصة مستغلاً مساعدة من الصورة الداخلية التى للأسف لم يتمكن أى إنسان من صنع مرآة مناسبة لتعكسها

أخذ يفكر فى ما مر من حياته وفيما سيأتى وأثناء ذلك كانت قد مرت عدة دقائق وهو محدقاً فى أعين تلك الصورة حتى بدا أنها ستنطق لتتحدث معه ولم يمنع ذلك سوى أن الغرفة فجأة سادها ظلام أكثر سواداً من الذى كان قد مر به وصولاً إليها .. يبدو أن تيار الكهرباء قد انقطع .. لمح ضوء خافت قادم من خارج الغرفة فسار متأنياً حتى تلمس الباب .. صدمه تيار هواء شديد وكأنه خرج إلى الشارع ورأى ذلك الضوء الخافت الذى أخفى الظلام مصدر نشأته ولكنه بدا بعيداً وجذاباً .. تيقن أنه أصبح فى طريقاً ما لا تحتويه جداران , وأخذته حمى حتمية الوصول إلى مصدر الضوء المجهول فسار بين ثنايا الظلام راكباً قطار الساعات الذى يحمل الشخص من محطة حاضره ليسير به فى طريق ربما ينتهى عند ذلك الضوء المجهول المصدر  

بعد سيره مسافة ليست بطويلة , سمع صوت ناعم خائف يطلب مساعدته .. تلفت حوله فتبين امرأة لم يستطع أن يدقق فى ملامحها نظرأً للظروف المحيطة , أخبرته أنها كانت فى منتصف شىء ما عندما انقطع التيار ووجدت نفسها فى 
ذلك الظلام تسعى إلى نفس الضوء الذى يريد هو بدوره الوصول إليه .. لم تحتج تلك المرأة إلى حديثاً مطولاً معه أو ضرورة وجود نور لإستكشاف ملامح وجهه التى عبث بها الزمن , فقط أعطته دواء لآلام الروماتيزم التى أصابته منذ عدة أشهر وبدوره أعطاها هو مهدئاً واتفقا على الركض نحو ذلك الضوء معاً .. ظلا يركضان لوقت لم يستطع أى منهما تقديره ومرا معاً بالجزء الأكثر سواداً من ذلك الطريق وفى ذلك الجزء بالذات حفظ كل منهما ملامح الآخر التى بدت فى غاية الوضوح آنذاك , ربما استخدما فى ذلك مرآة الصورة الداخلية التى لم يكن قد توصل إليها أى إنسان من قبل .

وصلا إلى مفترق طرق وكان عليهما أن يتخذا قراراً .. هل يسيران معاً فى طريق واحد بغض النظر إذا كان سيقودهما إلى مصدر الضوء أو لا , أم يأخذ كل منهما طريق مختلف ويتركا القدر يقرر ! .. أخبرها متسائلاً : إذا كان ذلك الطريق يرمز لحياة ما , فكم مر علىَ من سنوات حتى الآن وفى أى مرحلة يمكن أن نكون حالياً وما.. , استوقفته قائلة : كل حدث وكل سيحدث , إذا أردت أن تعلم ما مر من سنوات إذهب وانظر لنفسك جيداً لكن لا تستخدم المرآة هذه المرة .. أخذت طريقاً وتركته وحيداً بعد انتهاء مفعول الدواء الذى يعالج آلامه الروماتيزمية .. ذهب فى الطريق المعاكس ووجد مصدر الضوء , اقترب منه وشعر به يتغلغل بداخله ويسيطر على كل أجزاء جسده , أحس بطاقة داخلية لم يألفها من قبل وبدا العالم من حوله غير مستقراً وكأنما يحتاج إلى الإنفجار من جديد لكى يعيد ترتيب محطاته الزمنية .. فجأة اختفى ذلك الضوء وانطفأ كل شىء من جديد ليسود الظلام مرة أخرى ولكن بعد مرور ثوانٍ قليلة عاد التيار الكهربائى ووجد نفسه مازال ينظر إلى ملامح وجهه التى بدت مألوفة نوعاً ما هذه المرة , سمع صوتاً من خارج الغرفة يمتاز بنعومة مألوفة إلى قلبه حتى أنه ينبض بطريقة معينة عند مداعبة ذلك الصوت لأذنه .. أخبرته مازحة : كم من مرة أخبرتك ألا تنظر للمرآة مطولاً , ألا تتعلم أبداً ؟! .. ابتسم وسار خارج الغرفة إليها غير مكترثاً بذلك القطار ومحطاته لأنه أخيراً علم المصدر الحقيقى للضوء ولحسن الحظ لم يكن يتطلب السير فى طريقاً ما , فقط كان يحتاج إلى الخروج من الغرفة     


بيتر نادي أيوب من مصر





التصنيفات

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث