![]() |
أكلة سريعة ورخيصة | روكسان غاي* | ترجمة د. صالح الرزوق |
حينما وصل لوسيان إلى الولايات المتحدة عن طريق كندا، وعبر الحدود بطريقة هادئة ولكن غير شرعية، اقتنص توصيلة حتى ميامي، وهناك قدم له ابن عمه كريستوفي، الذي شق طريقه إلى ميامي قبل سنوات، ورقة من خمسين دولارا، ونصحه أن يأكل لفافات ساخنة، حتى يتوفر له عمل، فهي أكلة رخيصة، وطعمها طيب المذاق.
نام لوسيان على الأرض في شقة مشتركة مع خمسة رجال مثله، وكلهم يتظاهرون أن هذه الحياة أفضل من سابقتها. كان لديهم مطبخ ضيق مجهز بطباخ كهربائي يتكون من شعلتين، وميكرويف لا ينظفونه إلا نادرا.
أخبر كريستوفي لوسيان بأن اللفافات الحارة سهلة التحضير. جاء لوسيان إلى الولايات المتحدة لأنه يحب فرقة ميامي فايس. كان يعشق البذات البراقة التي يرتديها تابس وكروكيت، كما أنه أغرم برقصاتهما. وكذلك كان يظن أن ميامي مكان مثالي، ودائما لكل مشكلة حل..ونساؤها فاتنات الجمال تأخذن بلب الرجل.
في المدرسة الثانوية كان لوسيان يحلم بميامي في النهار، بينما الراهبات الفرنسيات كن تعبسن وتضربن الطاولة بالمساطر. ومع أنه لم يشاهد ميامي، كان يعلم أنها موجودة. وهذا مؤكد. كانت شقة لوسيان في بيمبروك باين - في عالم بعيد عن هاييتي الصغيرة، وعن كل شيء مألوف في مكان غير مألوف.
كل صباح يستيقظ في الخامسة. يستحم ويرتدي ملابسه. يمشي أربعة أميال إلى هوم ديبوت في باينز بوليفارد حيث ينتظر مرور المقاولين عبر باحة السيارات بحثا عن عمالة رخيصة وقصيرة الأجل. وهكذا يقف في سوق المهاجرين مع المكسيكيين والغواتيماليين والنيكاراغويين، وبرفقتهم أحيانا عدد محدود من الصينيين. كلهم يقفون بثبات ليبدوا أقوياء، على أمل أن تشير نحوهم أصبع بيضاء طويلة. وكان يحالفه الحظ ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع. فيحمل حزام أدواته، ويصعد إلى سرير الشاحنة، ويستمتع بالصباح الندي والسيارة في طريقها إلى البيوت الكبيرة التي يمتلكها البيض، والتي تحميها بوابات حديدية مقفلة حفاظا على سلامتها من أشخاص مثله.
ولكنه لم يسرق شيئا طيلة حياته. وكان لوسيان يشتري، مرة في الأسبوع، بطاقة هاتف، لقاء خمسة وعشرين دولارا. وهو مقدار يسمح له بالكلام لثماني وعشرين دقيقة. وكان يخابر بلده ليكلم أمه وعمه وزوجته وأولاده الأربعة. وليسرد عليهم حكايات مختلقة عن حياته الجديدة - كيف أنه وجد لهم بيتا جديدا بغرفة نوم خاصة لكل ولد، ومكيف هواء ليتنفسوا الهواء النظيف والمنعش. وفي باحته الخلفية مرج بأعشاب خضر وحوض سباحة حيث تستطيع زوجته الاستلقاء تحت الشمس. كان أولاده، وهم صبيان وابنتان تحت العاشرة، يحتاجان لشحذ الانتباه. وطالما أصاخ السمع ليفهمهم بسبب الخشخشة في الخط. كانوا يخبرونه أشياء عن المدرسة وعن أصدقائهم وعن جندي الأمم المتحدة الذي استأجر غرفة في البيت، وكيف أنه يعلمهم شتائم باللغة البرازيلية. وحينما يتبقى القليل من الدقائق، تطرد الأم أبناءها إلى غرفة النوم التي يشتركون فيها. الآن هما وحدهما. و لا يوجد وقت للغزل. ولكنها تهمس له أنها تحتاج لإرسال المزيد من النقود، فهم بلا طعام، وبلا ماء. وتلح لتعرف متى سيرسل النقود لهم. فيكذب. ويخبرها أنه يبذل طاقاته. ويضيف، سيرسل في القريب العاجل.
في أيام عطلة الأسبوع يحمل كريستوفي لوسيان في شاحنة يسمح له رئيسه بإيداعها أمام بيته، ويذهبان إلى بيوت جماعات في هاييتي الصغيرة. يستمعان إلى موسيقا الكونبا ويشربان الروم، مثل جميع الهاييتيين. ويتفلسفون حول إمكانية حل مشاكل بلدهم. كان والد لوسيان يقول له دائما وهو في طور النمو: "هاييتي بلد بسبع ملايين دكتاتور".
وأحيانا إذا تأخر الوقت ليلا، يلقي لوسيان نفسه في أحضان امرأة غير زوجته. ويرافقها إلى البيت في الظلام، ويحضن صدرها بيديه ويصغي إلى أنفاسها، وهو يضع شفتيه على رقبتها وكتفها، ثم يلعق جلدها المالح، ويتخيل أن طعمها يعيده إلى بلاده. وخلف منعطف بيت لوسيان يوجد بار سيفن إليفين. أحيانا، حين لا يمكنه النوم، يذهب إلى هناك لأنه بارد ومضاء ونظيف، ويمكنه شراء اللفائف الحارة. والرجل الذي يعمل هناك حتى وقت متأخر ليلا هو من هاييتي أيضا. ويعلم لماذا يذرع لوسيان الممر بخطوات بطيئة ذهابا وإيابا، وهو يراقب بحذر كل صف من البضائع الملفوفة.
حينما يصل الموظف في أول يوم إلى ميامي يتصرف بهذه الطريقة. وكان لوسيان يفكر بالحلويات التي سيشتريها لأولاده لو أنهم معه، ويتخيل كم سيسعده أن يراقبهم وهم يأكلون تويكس أو كيت كات. وكل ليلة، قبل أن يغادر سيفن إلفين، يشتري لفافتين حارتين تصلحان للميكرويف، بالإضافة لشراء سوبر بيغ غلب. ثم يعود إلى البيت، ويجلس على الرصيف أمام المبنى لينفرد بنفسه. بعد ذلك يشرب ببطء، ببطء شديد حتى لا يتبقى جليد في الكوب حينما ينتهي منه. ويلتهم إحدى اللفافات الحارة، ولكنه يقبض على الأخرى، ليستمتع بحرارة اللفافة الثانية. وحينها يعتقد أنه يقبض على كل العالم بين يديه.
*روكسان غاي Roxane Gay كاتبة أمريكية بعد حداثية من أصل هاييتي. من أعمالها "دولة ناشزة"، "امرأة عويصة"، "ناشطة نسائية سيئة"، "الجوع: مذكرات جسد(ي)".
مجلة فن السرد | ترجمة
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا