recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

الهجرة وتمثلاتها في المجموعة القصصية "خفق إلى أعلى وإلى أسفل" للكاتب أحمد شرقي | سارة أبو ريا

مجلة فن السرد


 

يحلم كل منا بغدٍ أفضل وحياة سعيدة، ولكن، تختلف معايير السعادة من شخص إلى آخر، وذلك بسبب البيئة المحيطة بالإنسان، علاوة على الظروف الإجتماعية والإقتصادية. 

ينظر البعض إلى الناس في أوروبا وأمريكا على أنهم الأكثر حظًا وسعادةً مقارنة بباقي البشر، لذا فمن يستطيع أن يطأ بقدميه الأرض الغربية يعتبر نفسه من أسعد الناس.

 أرض الأحلام – كما نسمع عنها منذ نعومة أظافرنا- تعطي الفرصة لأي شخص على استعداد أن يخاطر ويغامر بكل  ما بوسعه لتحقيق ما يتمنى. 

يفرد الكاتب أحمد شرقي في مجموعته القصصية "خفق إلى أعلى وإلى أسفل"  مساحةً خاصة لمناقشة "الهجرة غير الشرعية"، سواء في القسم الأول الذي يحمل عنوان "خفق إلى أعلى"، أو الثاني الموسوم ب "خفق إلى أسفل". ولكن ما يلفت انتباه القارئ هنا، أن الكاتب قد تناول هذا الموضوع من زوايا مختلفة، ودوافع متنوعة.

إذا نظرنا إلى القسم الأول، سنجد أن فؤاد في قصة "الجمال"، على استعداد بالتضحية بروحه في سبيل الهجرة إلى خارج البلاد، وذلك بعد أن أصبح يرى كل شيء قبيحًا. تخيم عليه روح التشاؤم والحزن، ولم يجد مفرًا أمامه سوى الإنصياع وراء الآخرين الذين يروجون للهجرة. ونلاحظ أن عنوان القصة هنا "الجمال" يشير إلى الدافع الرئيسي وراء فكرة الهجرة، التي تسيطر على البطل، والتي يشير إليها متسائلًا " أين المال؟ ولمن سأعطيه حتى أفلت من جحيم هذا القبح؟ وأعبر إلى قارة الجمال، حيث كل شئ ساحر وفاتن.... حيث الأورو ينتظر والفرص تنادي، والشقراوات الأوروبيات....آآآه من الأوربيات..." الجمال هنا – فى نظر بطل القصة- مادي، حيث يبحث عن انبهاره بالحياة التي تعرض على شاشة التلفاز، دون أن يستمع لتجربة أحدهم التي خاضها من أجل البحث عن الذات..

نلاحظ التغييرات التي طرأت على فؤاد بعد أن امتلكته فكرة الهجرة، حيث تقوقع داخل نفسه إلى أن جاءه الإتصال السحري من ابن خالته، والذي يبشره بالحل السريع. لم يكن يتوقع فؤاد أن يتكبد خسائر مالية وجسدية بسبب هذا الحل السحري، الذي لا يحتاج إلى تعقيدات للوصول إلى بلاد "النور".

 لم يتعلم فؤاد الدرس بعد أن تلقى ضربة بعصا على رأسه، أفقدته حاسة التذوق في المرة الأولى، بل أخذ يبحث عن فرصة ثانية لعله يفلح وينجح في تحقيق هدفه. 

كانت الخسائر في المرة الثانية قاسية ومُرّة، إذ فقد يداه بسبب افتراس الكلاب المدربة له، ولكنه لم يبدِ أي مقاومة " كان مستسلمًا بشكل غريب... يفكر فقط، في: كيف سيقضم فاكهته المفضلة، التي لن يتذوقها، ولن يحملها بيديه بعد تلك المحاولة"، وبذلك ينهي الكاتب القصة وحياة بطله بشكل مأساوي جراء أحلامه التي سعى إليها. 

من جهة أخرى، نلاحظ في قصة "المنقذة" أن الكاتب قد عرض موضوع الهجرة الغير شرعية بأسلوب ساخر ومشوق للغاية حيث عكس الأوضاع. فالشاب فرانسوا يحلم بالهجرة إلى الفردوس الإفريقي، وقد وجد حلًا عجيبًا من خلال التعرف على عجوز غابونية، اعتادت نشرَ صورها التي تستعرض فيها أملاكها؛ من سيارات وقصور..ما جعل فرانسوا يطمح إلى الوصول إليها مهما كانت العواقب. اقترض المال للحصول على تأشيرة سياحية من قنصلية الغابون، ولكن عندما وصل إلى المطار وجد المفاجأة في انتظاره. وبأسلوب ساخر يكتشف البطل الفرنسي الفخ الذي وقع فيه.

في قصة "المطرود" يسرد لنا الكاتب معاناة المهاجرين بأسلوب أقرب للشعر، ولكنه ممزوج بالسخرية، فالبطل هنا سويدي،  يتم ترحيله من الكاميرون إلى بلده. وكأننا داخل قصيدة حزينة نرى بين أبياتها قسوة التجربة، " لا فرار من هنا!/ أحمق..../ من يرتمى في أحضان الفراغ المطلق". وعلى الرغم من هروب البطل الأوروبي إلى السحر الكاميروني، إلا أنه من غير المعقول أن يحدث هذا على أرض الواقع، ولكننا نندمج مع البطل ونشعر بآلآمه وأحزانه. 

ومن خلال القصتين السابقتين، يحاول الكاتب أن يبدل الأدوار بين القارتين. فمن المعتاد أن يهاجر الأفريقي إلى أوروبا بلد الأحلام والنجاح وتحقيق الأمنيات، ولكن في عالم القصة، يأخذنا الكاتب إلى الخيال لنطرح على أنفسنا عدة أسئلة هامة للغاية " ماذا لو كانت أفريقيا قارة الأحلام والنجاح وتحقيق الأمنيات؟! هل سيتم معاملة الأوروبي المهاجر بأسلوب لا إنساني؟ أم سيتم إطلاق الكلاب المدربة عليه لتفترسه؟! هل سيموت غرقًا أو قتلًا برصاصة طائشة أم سيكون له نصيبًا من الحياة؟!" كلها أسئلة تدور في عقل القارئ الذي يعقد المقارنات في خياله أثناء القراءة. 

ولكن الإجابة واضحة في الأذهان وهى أن الأرض واسعة، وحرة، ومن حق الإنسان أن يعيش فيها بينما من صنع العقبات والحدود هم البشر، أصحاب النفوذ والسلطة، معتقدين بأن تقسيم العالم إلى غني وفقير، يصنع الإتزان العالمي الذي يصب في مصلحة القلة. 

في القسم الثاني " خفق إلى أسفل"، يتناول الكاتب نفس الموضوع، ولكن بإيجاز يخيم عليه الحزن والألم. ففي قصة " حُلم"، نجد أن الطبيب الذي يكشف على الجثة لمعرفة سبب الوفاة يكتب في تقريره "كان يحلم بالنجاة". هذا التعبير يعكس قسوة التجربة التي مر بها الضحية دون أن نعرف هويته أو تاريخه أو بلده، بل كل ما نعرفه أنه كان يحلم بالنجاة وأصبح في تعداد الماضي،  فقد حياته من أجل حلم لم يستطع تحقيقه. 

وفي قصة "قصة فى رأسي" نرى معاناة كاتب داخل معتقل أوروبي بتهم عديدة، مثل تهديد النظام العام والإرهاب، وذلك بسبب أنه مهاجر غير شرعي، لم تردعه حالات العود، فكرر المحاولة إلى أن وقّع في النهاية على ملف تهجيره إلى بلاده. 

تنتهى المجموعة القصصية بـ" أجنحة متكسرة"، التي يمكن وصفها بأنها قصة قصيرة جدًا، تصف بإيجاز دقيق أن الحلم المبني على الأمل قد ضاع هباءً مع مرور الزمن. وبهذا يختتم القسم الثاني" خفق إلى أسفل". 

يشار إلى أن المجموعة القصصية "خفق إلى أعلى وإلى أسفل" موضوع قراءتنا، قد صدرت أخيرا في طبعتها الأولى 2024 عن دار  ذاتك للنشر والتوزيع والترجمة، جمهورية مصر العربية، وتضم بين دفتيها 23 قصة موزعة على 84 صفحة.


مجلة فن السرد | قراءات ودراسات 

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مَجـَـــلَّةُ فَـــنِّ السَّــــرْد