القصة الفائزة بالمرتبة الخامسة لمسابقة فن السرد

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد التعليقات: 0 تعليق
قصة "عقارب" الفائزة بالمرتبة الخامسة
بقلم المبدعة آمال صديقي من الجزائر



   تمايل وهو يتأفف من روتينه الذي ينخر أنسجته كل لحظة، زحف متثاقلا قيد أنملة نحو الأمام، تمنى:'' ليت لي أن أعود إلى الخلف مرة واحدة، أتذوق طعم التراجع والبقاء هناك، وبعدها ... فليقل من شاء ما شاء''
نظر خلفه: ''كم هو مغر الرجوع للخلف، أو على أقل تقدير، عدم التقدم إلى الأمام''
يردّ صوت الآخر متذمرا: ''كفاك تملقا وتفلسفا، تحرك فلا مجال للتأخر، الكل مضبوط في علاقة متشابكة متداخلة، لامجال للخروج عن الحركة الديناميكية الأبدية، أنت تعلم، إمّا التقدم أو الإنكباب على وجوهنا في حاوية قمامة هنا أو هناك، وفي النهاية تصدأ مفاصلنا ونهرس في العجلة البعبع، يقال أنها تهرس كل مايصادفها''.
''لست أدري، تنتابني رغبة جامحة في الرجوع إلى النقطة السابقة، يغريني التقدم إلى الخلف: 3، 2، 1، 00، على كل لايهم، لن تكون أدرى بحالي، هذه الحركة البطيئة قد غرست الصدأ في كل أطرافي، أشعر أني أشيخ كل يوم، وأقترب كل ساعة من هاوية سوداء تشبه الدوامة التي ندور لأجلها على مهل، ندور عبثا كل يوم، ولا أحد يلحظ انكماش الحياة فينا، لا أحد يرغب في تخليصنا ولو برمينا في العجلة البعبع''
يجيب الثالث وقد أنهى دورته، يخاطبهما بلهجة استهزاء دون أن يتوقف عن المضي بسرعة: 
- ''تحاورا تحاورا، ستقضيان علينا ذات يوم'' 
_ ''لا تتغافل عما يحدث، نحن نعيش هذه الحالة مذ وجدنا، لا أنفك أرغب في العودة إلى الخلف، أو المضي بسرعة منطلقا، أنا أختنق هنا، هذه الرويّة تهرس أعصابي، تزيد من احتمال إصابتي بالصدأ سبعة أضعاف كل يوم''
''وماذا أقول أنا ولا أكاد أضبط صورة اللحظة بين دقتين، السير المتسارع أتعب ساقي، حطم بداخلي طعم الأشياء، ألفح الهواء متسارعا، أسابق العدم ولا غاية لي، لا منتهى من الركض في الفراغ والنظر إلى اللحظات التي تموت كل دقيقة ستين مرة''
_ هههه أنت أكثرنا إجراما
_ اصمت، تبدو راضيا بما نحن عليه 
_ كفاكما، نحن نجابه دوامة تبتلع شيئا منا كل يوم، أريد أن أسمع حلولا.
_ أقترح أن يتوقف هو، سيمنح لنا وقتا لنتباحث فيما بيننا، دون أن يلاحظ أحد مانفعل
_ أجننت، لو مرّ أحد وكان ذا نظر حصيف سيلحظ مباشرة أن شيئا مريبا يحدث، وسننتهي كلنا في أحشاء البعبع.
    يستمران في الجدال، تنطوي على نفسك، تنتابك وصمة بؤس لا تنجلي، تصرخ بداخلك اللحظات، تتعرى أمامك الحياة، وأنت ملتصق بالجدار، تفكر في الانفلات، تتغاضى عن الفكرة، تتجاوزها إلى أخرى، تتمتم: ''لا ضير في الانتحار، مللت انصهاري داخل كومة الأسى... والأذى، لا فائدة، يستحيل أن يفهما أنه قد حان وقت الرحيل، وأن مابداخلي ليس مللا ولا عتبا، إنما انبعث من الأعماق صوت الأصيل، الحياة أكثر إغراء وهي تتعرى أمامي كل ليلة، كلما بلغت ساعة الصفر، أفكر: ماذا يمكن أن أكون لو لم أكن حبيس الجدار، لا حياة على الجدار، لو كنت هناك لوجدت مأوايا، وأنثايا وتبعت فراشات العمر وهي تضاجع الألوان والضياء، لا حياة على الجدار، سأمضي إلى أفق أوسع من هذا الصندوق الخشبي الذي أطبق على أنفاسي، يخنقني كل تسع وخمسين دقيقة، يدفعني كالعجل إلى الأمام لأحرث ماتبقى من النهار والليل وأنا أخور، ولا أحد يسمع خواري''
   لم ير في حالته ما يجعل أمرهم شورى بينهم، ضغط نفسه مثل قنبلة موقوته، واصل الضغط بقوة، انتبها إليه، صرخا في الفراغ: ''توقف، توقف، ستقضي علينا''، لكنه استمر بالضغط، انفجر الجميع من الصندوق الذي انكسرت واجهته فحلقوا عاليا: هو، وهما، وقطع معدنية صغيرة، ودوى صوت الكل وهو يترامى هنا وهناك، دون أن  يلحظ أحد بأن هذا الصوت كان صوت انفجار الساعة المعلقة على الجدار.

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث