القصة القصيرة الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة فن السرد

الكاتب: مجلة فن السردتاريخ النشر: عدد التعليقات: 0 تعليق
االقصة القصيرة الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة فن السرد

"رصاصة طائشة"
للمبدعة راضية الكويسي من المغرب
مجلة فن السرد


أعدَّت قهوتها بإتقان، حملتها ثم اتخذت مجلسها المعتاد قرب النافذة بعد أن لفت جسدها النحيف الواهن بغطاء أنيق كلاسيكي يشبه ظلمة الليل في سواده…. 
راحت تجول بناظريها في ناصية الشارع، لا شيء غير عادي؛ أذنابُ القطط تتلوَّى خارج فوهة الزبالة وأجسادها مغروزة بالداخل، يطل من بين القضبان الحديدية لغلاقة الماء “الحار” أحد الفئران ثم يعود ويختفي.. منظر تعودت على رؤيته يوميا.. في الجهة الأخرى..

أيقظها من بئر تأملاتها صوت المذياع:

– “…. رصاصة طائشةُُ تصيب شابا عشرينيا من الحاضرين في حفل إعادة انتخاب الرئيس الجديد ل…”

أوقفته عند هذا الحد وبابتسامة ساخرة نطقت:

-“يحتفُل “الأربعون حراميا” بجلوس “علي بابا” على الكرسي…”!!

رمت بذاك الجهاز الذي يلقي حجرا في بركة أيامها الراكدة حين يبقيها على معرفة دائمَة بأخبار العالم؛ ذاك مات وتلك انتحرت وذاك فاز في الإنتخابات ووو…. ،

هي ابنة المروج، ذات العينين المغموستين بالعسل المحنط والشعر القمحِي المسود.. نبُتت ونشأت قرب الأزهار البرية فغدت شرسة لا تخشى الإفصاح عما يخالج صدرها من أفكار وإن قادتها لمجهول لا تُحمد عقباه..

أخذت قلمها وقررت أن تكتب كمن يأخذ قرصا من الأسبرين لمداهنة مرض مزمن، كما لو كان الحبر والمداد وبحر الحروف والكلمات المعين الوحيد على حياة فقدت مباهجها..

كتبت:

– “نعم أحمق!!
أحمق هو ذاك الشاب الذي مات برصاصة طائشة ابتهاجا بعودة هذا أو إعادة تعيِين ذاك، من دون أن يستَشعر هذا ولا ذاك غيابه أو يظهر عليه أحدُهما حزناََ أو أسفاََ..هو محضُ خطأ وجد في المكان الخطأ، فدفع حياته ثمنا لوجبة الحفل الدسمة، كمن تلتصق بحذائه قطعة نقدية فيتهم بالسرقة!!

وثَمة من يتجاوزه حمقاََ!! ذاك الشهيد الأخير في آخر معركة ، فيتعانق الطرفان على جثَّته ويُنشدان أبدية العلاقةِ الطيبة! كما لو كان هو الوباء وحلَّت العقدة بالتخلص منه…

مشكلتنا ليست في الأمراض التي يمكن للطب أن يشخصها ويكتشفها فيسارع للبحث عن العلاجات في المختبرات الكبيرة، بل المشكلة مرض لا مرئي سمي التخلف يصيب كل جسد من أي جنس ومن أي عرق ويزيد من ضراوتِه القهر الذي يمارس على كبيرنا كما صغيرنا، وحتى نحقق توازننا النفسي نحاول الهروب من القهر لا اقتلاعه من جذوره…”

أفزعتها الطرقات العنيفة على الباب فركضت لتفتح وجدته صديق أخيها نطقت:

-ماذا هناك؟

أتاها صوته الخشن ممزوجا ببكائه:

-مات أخوك برصاصة أثناء الاحتفال السياسي الذي أقيم هذا المساء ..

ابتلعت دموعا لا تريد أن تحتسيها في حضرة أحد ونطقت بخفوت :

– الأحمق!!!

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث